الجمعة، 18 أكتوبر 2013

سيده الدار !


   
   تلقيت الرد كرصاصه تخترق صدر مواطن بسيط يُطالب بالحريه فى ميدان التحرير , يسقط على الارض دفعه واحده و ليس على مراحل كما يحدث فى الاقلام , ملقى على جانبه الايمن و بداخله رصاصه , إحساس رائع عندما تلفظ أخر أنفاسك أمام عدسات الكاميرات و وسط مراسلى وكالات الانباء المحليه و العالميه , اليوم يوجد شهيد جديد , شهيد الحريه !

   الرد : ضباط و عساكر و مدرعات الامن المركزى و أسلحتهم و الرصاصه التى أصابت صدرى !
   الحريه : الحُب !
   المواطن البسيط : أنا !

   دعك منىِ الان , فكل شئ سوف يتم كما هو مُخطط له , سوف تنقلنى سياره الاسعاف إلى أقرب مستشفى و من هناك سوف يتم تزوير التقرير الطبى و يُكتب به , توفى نتيجه محاولته أبتلاع لفافه بانجو و لكنها أدت إلى أختناقه و ما يوجد فى صدره مُجرد ندبه صغيره وُلد بها و تعايش معها حتى حدث ما حدث , يصدر لى قرار بالدفن و تخرج جثتى من المشرحه وسط صراخ الاحباب و المتضامنين , صندوقى الخشبى يتوسط مسيره تهتف بالقصاص لى و لحياتى التى أنتهت , تجوب شوارع و ميادين و حارات ضيقه , الجميع رافعا صابعه يقرأ الفاتحه على روح من ذهب و لن يعود .. تحت الارض ينتهى كُل شئ !

   فى عالم موازى يوجد فتاه , تعيش فى النصف الاخر من الكره الارضيه  , النصف الذى تظلم فيه الشمس هنا و تضئ هناك , النصف الذى لا يوجد به رصاص يستقر فى صدور العشاق المطالبين بالحريه .. حريه حبهم , النصف الذى يحترم الانسان قبل حقوقه , النصف الذى يأخذ كل شئ ببساطه ولا داعى لتعقبد الامور أكثر من ذلك !

   بعد ساعه و ثلث بدأت أكتب مره أخرى , أدونها بعد أن أستحضرتها فى خيالى و طرد روحى منىِ لكى تسكن روحها , أشعر بها و بكل تفاصيلها , أغمضت عينى و بدأت أتنفس , الان أراها قادمه , ليست قادمه نحوى ولا نحو أى شخص من من حولى , فالمكان شديد الاتساع و السماء صافيه و كل شخص مشغول بشئ , من يقرأ جريده و من يكتب و من يعزف على ألته و من ينظر بساعه و يلتفت يمينا و يسارا فى انتظار شخص اخر , يوجد من ينظر إل السماء و بعدها ينظر إلى الارض فى أسف شديد كمن فقد شئ عزيز و يوجد أنا , أنظر إليها هائمه لا تعرف إلى إين تذهب , ترتدى كأنها لا ترتدى , لا اشعر بوجود ملابس تستر مفاتنها كما اننى لا أشعر بها خجوله , تكاد تكون واثقه من خطواتها كأنها هائمه بمزاجها , تريد أن تضيع داخل هذا المكان الساحر للحظات او لدقائق ثم تعود من حيث أتت , شعرها الغجرى الطويل تمسك بأطرافه و تلفها على أصابعها المنمقه , اين رأيت تلك الانامل من قبل ؟! , توارد خديها و شفاه ترسم الابتسامه رغم الحزن الدفين الذى يسقط من عيناها و يترك بقع سوداء على الارض , تحررى يا حبيبتى من الحزن و أزرفى دموعك السوداء , عيشى الحياه سعيده وحدك او مع حبيب محمودا او خالدا و أتركينى من بعيد أتأملك حتى تأتى من تأخذنى او يلقى حدفى , ايهما أقرب !

   مازالت تدور بالمكان و مازلت أراقبها و بؤبؤ عينى يتسع من جمالها حتى كاد ان يخرق عينى كلها و يزيل بياضها , الرياح تسير بسرعه سياره ملتزمه بقواعد المرور 90 كليومتر و النقل الثقيل يلزم اليمين منعا للحوادث و الاصابات و لكن قلبى قد انقلب على سرعه 160 كيلومتر بالساعه من شده تعلقه و حبه لها , أنوثتها تدرس فى معاهد التجميل لكى تأتى كل قبيحه طامحه فى الجمال لترى من ستكون مثلها بعد عده عمليات فاشله , لا يوجد احد مثلها حتى إن لففت العالم كله بسيجاره حشيش مغربى مقطر بزيته أو زجاجه "Meister" بداخل ثلاجه ترتجف من البرد و لكن كلما تقترب تهدأ الرياح و يبدأ الدفئ فى احتلال المكان , دفئها و سخونه يديها الدائمه !

   أدركت عيناها و الرسمه التى حولهم , رسمه فرعونيه قديمه , رسمه أفقدت كليوبترا و حتشبسوت ملكهم و أغرقت مراكب تحتمس الثالث فى مياه النيل , الاله العظيم , النيل الذى كان يحظى كل عام بجميله من جميلات مصر , هى واحده منهن و لكن لن أسمح لهم بأخذها و ألقائها فى مياه النيل , أنا أحق بها منه , عينان تقطر "Chivas" مشروبى الحكولى المفضل , الامور تخرج عن السيطره , الجميع من حولى مشغولون بما فى أيديهم و انا وحدى أرقبها , لماذا لا يراها احد سواى ؟! و لماذا حتى الان لا ترانى ؟!

   لن اظل قابعا بمكانى , بدأت اتحرك نحوها و بدأت أحس انها تلتفت لى , الان بدأت تهتم , نظرت إلى ِ و تورد خدها أكثر و أشتعل أحمرارا , عضت على شفتيها و اضاقت عيناها قاصده اخافتى او ربما خُيل لى هكذا , أقتربت حتى شممت رأئحه زجاجه متوسطه الحجم مرسوما عليها عين حدقتها خضراء و رموشها من الفضه تشع حولها كأشعه الشمس , تحتوى سائلا اخضر و تحمل اسم "La Fee Veret - Absinthe" الجنيه الخضراء , نكهه اليانسون +68 % كحول , كانت هذه رائحتها , رائحه تأخذك إلى عالم أخر غير العالم الذى انا به الان , لن أمر من هذا المكان من دون تقبيلك و تذوك كحولك المذهب للعقل و الدين !

   اشاحت بنظرها بعيدا و مزالت تبتسم فى دلال , ظلت على تلك الحاله لثوان قليله كأنها تقول لى أنظر ألى حيث ما أنظر , سوف تجد ضالتك هناك , أدرت رأسى و بدأت أنظر و جدتها هناك و انا بجانبها , أتفقدها كمسئول جمركى يتفحص بضاعه قادمه على سفينه لم تغرق بسلام و اتت سالمه , انها سيده الدار تدندن أقتربت منها و الدم رمال ثائره بداخل شراينى , رأيت منقوش على وركها ورده متعدده الورق و ضفيره شعر سوداء فاحمه تتلوى بجانبها حول ساقين خرطا بعنايه , لمحت ابتسامتها ثم رأيت يدها تمتد نحوى و رموش كالسيوف فوق عينين هما الحياه لا جدال !

   أضجعت بجانبها كالاستسلام لملاك الموت , ابتسمت ابتسامه ساحره و هى تستعرض الورده التى على فخدها , هممت فى تقبيلها حتى سمعت صوت فرقه عاليه كصوت رصاصه تطلق , شعرت بتنميل ملئ جسدى و بقعه دماء على ملابسها , نظرت أليها و هى واقفه بجانبى و مازلت مبتسمه , قلت لها لقد اصبت هناك , هناك من اطلق النار علىِ , بدأت تحرك رأسها فى هدوء و الابتسامه تعلو وجهها , وضعت يديها على صدرى , نظرت وجدتها ممتلئ بالدماء , اللعنه الطلق طالنى و لم ينجنى رب العرش !

   خارت قواى و وقعت على الارض , رحلت سيده الدار و تركتنى غارقا فى دمائى , شهيد جديد .. شهيد الحريه !

هناك تعليقان (2):