الخميس، 13 مارس 2014

( 8 ) الهروب الكبير ! - خريف 2009 - جزء 1


خريف 2009 ...

   

    مستلقى على جانبى الأيمن شبه نائم و ألم ظهرى يشاركنى السرير , نور صباح اليوم الجديد بدأ فى أحتلال غرفتى من خلال النافذه , لا أعلم كم الساعه الأن , فالنوكيا الخاص بى يتجرع شحنته الكهربيه بعيدا عنى و ساعه الحائط عقاربها وافتها المنيه على الواحده و النصف منذ زمن , غرفتى بسيطه , نافذه لا تفتح و مكان لستائر غير معلقه ,  سرير و دولاب و مكتب يحمل فوقه جهاز كمبيوتر عتيق و مروحه دائما تعمل على السرعه الثانيه , صوتها يجعلنى أذهب فى النوم سريعا , بعض أسطوانات الحديد وزن عشره كيلو و بار , لون الغرفه أصفر مائل إلى لون الليمون , لم يكن لى يد فى أختيار هذا اللون البشع , لا يوجد شئ معلق على الأربع حوائط سوى مرأه بجانب الباب , عاده لا أنظر إليها , بسبب خلافى مع الذى يظهر امامى !

   

   بعد تلك النظره السريعه التى أقوم بها كل مره أستيقظ من النوم كأنى أكتشف الغرفه من جديد , تحاملت على نفسى و على الألم و قمت من على السرير فى طريقى إلى الحمام لا أعبئ بأشارات المرور ولا بأن يكون أحد خارجا مسرعا من غرفه أخرى , فأنا أعيش بمفردى فى الشقه منذ عده سنوات و أصبحت أنا و الوحده وجهان لعمله واحده !

   

   داخل الحمام واقفا لأكثر من دقيقتان فى محاوله لأقناع نفسى للأستعداد لبدايه يوم روتينى جديد , أستسلمت إلى شلال الماء الساخن فوق رأسى لا أفكر فى شئ , البخار يملئ المكان كمن يقود سياره فى وسط شبوره كثيفه , خلال فتره الأستحمام , تأتينى أسئله وجوديه كثيره تحتاج إلى أجابه مقنعه , جميعها تذهب مع توقف المياه و رحيل البخار فى هدوء !

   

   أرتديت ملابسى و فى حزن نظرت الى أسطوانات الحديد العشره كيلو و قلت : مضى وقت طويل على أخر لقاء بيننا , أربع سنوات , منذ طفولتى كنت أتمنى ان يصبح جسدى متناسق و مشدود , تقع الفتيات فى غرامه , حيث أثبتت الدراسات العلميه إن بعض النساء تفضلن الرجل صاحب العضالات , و على ذكر العضالات , تحيه شكر و تقدير إلى بطل مصر "الشحات مبروك" !

   

   خرجت من غرفتى إلى ممر طويل خارجا إلى الصاله , أخذت مفتاح السياره و مفتاح الشقه , المعلق به معصم عصام و هيكل اشرف العظمى و هو يدخن الحشيش و نرمين تمثال الحريه  و جدير بالذكر , إن أوقات كثيره لا اجد اشرف و نرمين ضمن المفاتيح !

   

   دقائق معدوده و كنت داخل سيارتى محاصر فى الأزدحام المرورى على الطريق , اللعنه على من يحكم البلاد , كل يوم أعانى من زحمه السير و أصوات أبواق السيارات و مفاجأت السيدات , كدت أن أذهب إلى القمر فى أحد المرات عندما قررت أحدهن الأنعطاف لدخول شارع جانبى , أحيانا أقكر لماذا لم يخلق لنا الله أجنحه لكى نرتاح ؟!

   

   وصلت متأخرا عن ميعاد العمل فى الاذاعه ساعه و نصف و تلك المده تكفى لكى أفصل من العمل و من الحياه كلها و لكنهم تعودوا منى على ذلك , كنت أقدم برنامج منوعات , كان يأتى كل يوم من الاحد إلى الخميس الساعه السادسه مساءا و لكنه توقف والأن أحضر لبرنامج جديد , و بما أننى أتيت اليوم متأخرا , لن أسلم من لسان رئيس تحرير الأذاعه , الرأس الكبيره كما يقولون , هى فى الثانيه و الثلاثين و هو سن تكون فى المراه فى أوج صحتها و نشاطها , شخصيتها قويه و الكل يخشى معارضتها , حجمها مثالى و وجهها لا يوجد به شئ مميز سوى شفتين روز و عينان بنيتان واسعتين , تعتنى جيدا بأظافرها و ملابسها و رائحه عطرها دائما مختلفه عن كل مره !

   

   دخلت المبنى الذى يوجد به الأذاعه التى أعمل بها و أخذت المصعد إلى الدور الثالت حيث يوجد الأستوديو و بعض مهندسين الصوت و قبل أن أقول " السلام عليكم " ...


_ استاذ (يوسف) , يا استاذ (يوسف) .

_ في ايه يا عم (سعيد) ؟! , مالك عمال تجرى من اخر الطرقه و عمال تقول بعلو الصوت يا استاذ (يوسف) ؟!

   

   تمالك اعصابه و بدأ يأخذ نفسه و يمسح العرق من على وجهه و بعد ان بلع ريقه قال ...


_ رئيسه التحرير عايزه تشوفك بسرعه .

_ و هى عرفت منين ان انا جيت ؟!

_ و دى بيخفى عنها حاجه يا استاذ (يوسف) , يلا تعالى معايا .

_ طيب روح اعمل ليا نيسكافيه و انا هروح ليها .

_ لا لا لا , دى عايزه اجيبك بنفسى لحد مكتبها , الله يكرمك تعالى معايا .

_ حاضر يا سيدى , جى معاك .. يا (وائل) لو اتأخرت ابقى اسأل عليه .

   

   قام عم (سعيد) بأحكام قبضته علي كمن منح الضبطيه القضائيه منذ قليل ثم تمشينا خلال غرف و ممرات المبنى حتى دخلنا إلى الأسانسير فى طريقنا إلى الدور الخامس , ثم قال عم (سعيد) و هو يهندم ملابسه ...


_ هو ايه اللى حصل يا استاذ (يوسف) بينك و بين الاستاذه (ايمان) من ساعه ما بقت رئيس تحرير الاذاعه ؟! , ده انتوا زمان كنتوا احلى اتنين يطلعوا فى برنامج مع بعض .


   توقف الأسانسير فى الدور الخامس و خرجنا و مازال عم (سعيد) يحكم قبضته على , تنهدت قليلا ثم قلت له ...


_ اسكت يا عم (سعيد) , اسكت بدل ما (ايمان) تسمعك و تزعل منك , انت عارفها دى مش بتزعل لوحدها , دى بتجيب ناس تزعل معاها .

_ خلاص خلاص سكتنا .

   

   وصلنا إلى باب المكتب المعلق عليه يافطه "رئيس تحرير الاذاعه" و بدأ عم (سعيد) يدق و معه قلبى أيضا , أتى صوت ناعما من الداخل قائلا : ادخل !

   

   أستجمع عم (سعيد) كل شجاعته و فتح الباب و دخل و أنا خلفه , بداخل الغرفه يوجد مكتب متوسط الحجم عليه جهاز لاب توب و لوحه معدنيه مكتوب عليها "رئيس تحرير الاذاعه (ايمان على حسين) و يوجد أمام المكتب كرسيان و فى الناحيه اليمنى نافذه مغلقه و فوقها تكيف صغير و أسفلها كنبه جلد أسود , على الحائط المقابل شهادات تقدير , أشياء أعتدت على رؤيتها فى كل مره أذهب اليها !

   

   كانت ترتدى قميص لون البنفسج , ضيق يبرز تقاسيم نهديها عن غير قصد , شعرها مرتفع إلى أعلى من الامام و فى وسط رأسها نظاره شمسيه ولا يجب ان أنسى لون طلاء اظافرها , أحمر متوهج !

   

   رفعت عينها من على الورق الذى كانت تقرأه و نظرت إلىِ و إلى عم (سعيد) المرتجف ثم أعتدلت فى جلستها و أخرجت تنهيده مقصوده و بعدها قالت ...


_ روح انت يا عم (سعيد) .

   

   فى لمح البصر أختفى الرجل و تركنى معها , تمشيت إلى المكتب و جلست على الكرسى المواجه للحائط الذى يحمل شهادات التقدير و الصور التذكاريه ثم وضعت هاتفى و كيس التبع و مكينه اللف و بجانبهم المفاتيح , يبدو أن إشرف ليس فى مزاج جيد , و أنا أيضا يا صديقى , قامت من على كرسيها المفضل و أخذت طريقها للجلوس أمامى , هنا لمحت بنطال أسود يجسد أرجل خرطت بعنايه , حقا جميله , بعد جلوسها رمتنى بنظره ثم بدأت ...


_ متأخر ليه ساعه و نص انهارده يا استاذ ؟!

_ مش اول مره اعملها و دى مش اول مره انتى تجبينى و تفتحى معايا تحقيق عن سبب التأخير .

_ طيب قدام انت عارف كل ده , انزل بدرى شويه و تعالى مره فى معادك .

_ ساعه و نص تأخير مش هتوقف الدنيا فى الاذاعه , ثم انا معنديش برنامج شغال حاليا عشان اجى بدرى .

_ صحيح انت مش بتطلع هوا , بس عندك برنامج بتجهز ليه و المفروض انك هتطلع بى قريب , تحمل المسئوليه شويه .

_ انا عارف شغلى كويس و مش محتاج توجيه من حد .

_ اه بأماره انك وقفت برنامج المنوعات بتاعك بعد ما كان مكسر الدنيا و محدش فى الاذاعه عارف انت ليه عملت كده , حركه زى دى واحد غيرك كان زمانه اتفصل فيها .

_ كل مره تعيدى الاسطوانه , مش بتزهقى , بعد اذنك .. اخذت اشيائى من على المكتب و قمت .

_ (يوسف) .. قالتها و هى ممسكه يدى بشده !

   

   أفلت يدى و لم أنظر إليها و توجهت الى الباب و أنا فى قمه غضبى , سالكا ممرات و غرف كثيره متجاهلا نظرات العاملين حتى وصلت الى غرفه كبيره بعض الشئ بها أربع مكاتب و ثلاجه صغيره و تكيف و بعض الملصقات على الحائط , جلست على أحدهم ملقيا المفاتيح و كيس التبغ و مكينه اللف و غضبى رافعا الهاتف الارضى متصلا بالبوفيه ...


_ عم (سعيد) هات قهوه زياده بدل النيسكافيه !


   أثناء أنتظار أعداد القهوه , قمت بأشعال أحد السجائر التى قمت بلفها فى السياره أثناء مشاهده مسرحيه الازدحام المرورى أعلى كوبرى اكتوبر بعد ذلك جاءت القهوه و معد البرنامج الجديد و مهندس الصوت و المخرج , قلت لهم متسائلا ...


_ هى فين (بسنت) ؟!