الأربعاء، 5 أغسطس 2015

( 10 ) الهروب الكبير ! - خريف 2009 - جزء 3



   فقط أسترح ولا تفكر فى شئ و سلم نفسك و رأسك إلى من أنت بين يده الان , هو يعرف ما يقوم به , ليست أول مره ولا الاخيره , جالسا على كرسى جلد كبير و يتساقط على و من حولى على الارض ضحايا الغزو الخارجى , عم (ربيع) الحلاق المفضل لدى على الاطلاق , ذلك العجوز دائما يملك لمسه سحريه فى قصاته , زياره واحده له تكفى أن ترجعك عشرون عاما إلى الوراء , بعد أحتلاله لرأسى و دقنى أكثر من نصف ساعه , قرر الانسحاب بعد أن رأى أن تلك الرأس أصبحت جاهزه للاحتفال , هكذا دائما يقول !
   داخل شقتى و بالتحديد داخل الحمام , وقفت عاريا كما خرجت من بطن أمى , أنظر إلى وجهى فى المراه و أدقق فى كل تفصيله به و إلى سنوات ضاعت من الذاكره , من الطفوله حتى خمس سنوات ماضيه , كل تلك السنوات لا أعرف عنها شئ !
   أشعر كأننى عجوز ملل عزرائل أنتظاره لكى يقبض روحه , أبتسامه حسره أم سخريه أم  تمرد على ذلك الوجه , الوحده تفعل أكثر من ذلك , فقط أستعد لخوض التجربه !
   تجربه العزله الأجباريه , الأبتعاد عن الجميع بما فيهم أنت , أترك أسمك , عنوانك و أحبائك , أترك نفسك و حياتك , شخصيتك و أنفعلاتك , صورك و حبيبتك , أرحل عن ذلك المكان و بيع ذكرياتك لأول بائع روبابيكيا !
   بين الماضى و المستقبل رحيل واجب التنفيذ , عندما تسجن بأرادتك و تُسلم لعالم جديد رسم و خطط لك من قبل , فتاه تحبك و أنت لا , فتاه تهاجمك أثناء نومك و فى احلامك , ألم و مرض بدأ يحتل جسدك و فى أقرب فرصه سوف يقضى عليك !
   لماذا تأتى كل هذه الافكار خلال سقوط الشلال الساخن فوق رأسى ؟! , المياه تعرف كيف تجد طريقها على جسدى , ترسم خرائط و تكتب اسماء , تحتضنى و تحتل مسامى و على وجهى تصارحى , أنا معك , أنا من أجلك !
   منتصف النهار , نافذه صغيره مغلقه فوقها ستاره تنفذ من خلال دوائرها أشعه الشمس تكون خطوط متتاليه على حوائط يعلوها السيراميك الأخضر و المياه مازالت تنهمر بغزاره فوق رأسى , لثوانى أنفصل مع من تأتينى , أسترجعها أم تدعونى إلى عالمها , لست فى حالتى الطبيعيه , هى معى الان , تشق طريقها وسط البخار الكثيف عاريه , أراها قادمه نحوى حتى أصبحت بجانبى و أصبح الشلال الذى ينهمر فوقى يغرقنا نحن الأثنين , يسيل على جسدها و جسدى , يحتلها و يقتلنى , يقربنا , تنظر إلى بكل دلال , لم أنسى يوما رسمه عيناها و شفتيها ترسم أروع لوحات الخيال !
   تقترب و سخونه جسدى فاقت سخونه الماء , أصبحت بداخلها و مذاق تفاحها يداعبنى , نظرتها الواثقه و عيناها نفق فى نهايته نور أمل , أخشى أن لا يكون كما أتصور و يصبح نور قطار لا يعرف الوقوف , صوته يقول أنه قادم لا محال , مثبت لا أستطيع الحراك , قيودها أقوى منى , أستطاعت أن تسيطر على , نظرتها الواثقه حبال تقيد حريتى , لا مفر للهرب ولا طريقه أمامى للنجاه !
   مازال صوته يقترب و يقترب , فى أقل من دقيقه سوف أصبح أشلاء , شهيد تكتب عنه الصحف و المجلات , ربما أستطيع أن أبتعد عنها , أخرج من داخلها , من أحشائها , من روحى و داخل قلبى , عده أمتار و أصبح بقايا أنسان , الدخان يظهر و النور يكاد يعمينى , الأن , الأن ...
   صمت و بخار كثيف , سكوت حتى درجه الازعاج , لا شئ , أنقطعت المياه و نجيت من الموت و منها , لم تعد بجانبى , فتحت النافذه و رأيتها تخرج مع البخار الساخن , أرجوك لا تعودى !

    قبل الفجر ...
   مضى أسبوع على أخر زياره منها , تلك الزياره التى كدت أن أفقد حياتى فيها لولا أنقطاع المياه , طوال ذلك الاسبوع لم أذهب إلى العمل و لم أتصل بأحد و لم أقدم على طلب أجازه , فقط أختفيت و بقيت فى المنزل , حتى (مى) لم تتصل و لم أحاول السؤال عنها !
   لست بخير , أنا أعرف نفسى , لست بخير , مازلت حتى الأن أشعر بجسدها و منحنياتها و لون طلاء أظافرها , مشهدها و هى عاريه لا يفارقنى , دخلت إلى غرفتى و ألقيت جسدى على الفراش , أحتاج إلى الراحه أكثر و أكثر , أحتاج إلى أن أذهب بعيدا , بعيدا عنى , أحتاج إلى شخص أخر يشاركنى أحزانى و همومى و محاولات أغتيالى , أريد أن أنام و أنفصل , تخرج روحى و تذهب إليها , تقتلها و تغتصبها ثم تحرقها !
   ربما بعد ما حدث يتركنى ألم ظهرى و يرفق بحالى و ربما أيضا يقتنع السرطان بعدم طرق بابى , كم أنا ضعيف و قليل الحيله , كم أعشق الوحده و السكون و أبارك الصمت و محادثه الجنون !
   بأمر الألهه توقف عن التفكير و توقف عن التبرير , بأمر الألهه أترك حالك لها أسير , بأمر الألهه , لا , بأمرى أنا أفصل فيشه حياتى ولا مزيد من الحديث !
   الباب الأن يفتح و أرى الطريق أمامى , رأسى تثقل و جسدى على الفراش يسيل , جزيره و الماء فى كل مكان , أشجار و نخل يصتف على الجانبين , يقفون فى أنتظار الدخول إلى عينى , أراهم و أبارك منظرهم , هناك على الشاطئ غرفه زجاجيه و الستائر تغطى جوانبها و أشعه الشمس تتسرب إلى داخلها , يوجد سرير أرتميت فوقه أشاهد السحاب و أستمع إلى موسيقى الأورجازم !
   ذهبت بنظرى إليها تمشى خارجا فى خطوات ثابته على الشاطئ و ترتدى قميص أبيض يكشف عن أرجلها و خصل شعرها تتطاير مع الهواء , لن أستطيع أن أغفل أصابعها المنمقه ولا رسمه أرجلها و عيناها العسليتين , لم أستطيع أن أمنع نفسى من مشاهداتها , الهواء يكشف عنها و عن مفاتنها , تنطق بشفتيها عن شخصيتها !
   من هذه ؟! , كيف جاءت هنا ؟! , و لماذا الان ؟! , ليست (مى) و ليست من تريت قتلى و بالتأكيد ليست (ايمان) , من هذه الحوريه , عندما تختصر جميع النساء فى واحده و عندما تذهب رغبه كل رجال العالم إلى واحده , فمن إذا تكون ؟! , لا أستطيع , فقط أسترخ !
   الهاتف يرن , يزن و يأن , الألحاح متواصل ولا يكف عن الأزعاج , جاهدت جهاد المؤمنين حتى عدلت وضعى و بدأت رحله البحث بيدى عن أين مصدر الصوت , أين أنت ؟! , الأنكار لن يفيدك , مبتكر فقط فى أزعاجى و بعد وقت ليس بطويل وجته و مازال يصر على الرن !
   ليست مصادفه إن كل هذه الضوضاء تسببها (ايمان) , قبل أن أضغط على زر الرد , نظرت إلى ساعه الهاتف و عرفت أنها تتصل لكى تسمعنى الأسطوانه المعتاده عن سبب غيابى أسبوع كامل من دون سبب أو حتى طلب أجازه , سلمت الأمر و ضغط على زر الرد و قلت ...
_ الو .
_ بقالك اسبوع غايب عن الشغل و محدش يعرف عنك حاجه و تلفونك مقفول , ده انت حتى مقدمتش على اجازه , كنت فين ؟!
_ معلش كنت تعبان .
_ صوتك متغير ليه , انت تعبان اوى , تحب اجبلك دكتور ؟!
_ لا مش مستاهله , دول شويه ارهاق و هيروحوا لحالهم .
_ الف سلامه عليك يا (يوسف) , متشغلش بالك بالشغل , طيب اجيلك البيت و اجبلك معايا اى حاجه انت محتاجها ؟!
_ لا شكرا , انا مش عايز اتعبك , ميرسى لأهتمامك .
_ اهتمامى ! , (يوسف) مهما حصل بينا و مهما و صلت العلاقه , انا هفضل اعزك .
_ اوك تمام .
_ سلام و خلى بالك على صحتك .
_ مع السلامه .
   هل مازلت أحلم كعادتى أم هذه المكالمه حقيقيه , (ايمان) رئيس تحرير الأذاعه بكل سيطرتها و رعب العاملين منها و حرب الاعصاب التى بيننا , تتصل و تتحدث بكل لطف بل تقول إن أحتاجت إلى شئ فقط إبلغها , ربما تريد إن نعيد معا بعض أيام الجنون !