السبت، 17 يونيو 2017

سوبرمان & لويز لاين 2



لا احد يعرف سر العلاقه القويه التي بين زميلتي في الجريده "لويز لاين" و " سوبر مان" البطل الخارق سوي انا فقط .

- مرحباً كلارك ، كيف حالك ؟ 
- بخير .
- ماذا بك ؟ ، تبدو شارداً بعض الشئ !
- لا شئ ، لا يوجد شئ ، كيف حالك انتي ؟
- أفضل من اي وقت مضي ، حصولي علي جائزه افضل مقال عن "سوبر مان" هو اكثر شئ يسعدني حتي الان .
- تقصدين "لماذا لم يعد العالم في حاجه إلي سوبر مان" ؟
- صحيح ، هل قرأته ؟
- اجل .
- و ما رأيك ؟
- لا اعلم لويز ، ربما تعجلتي في الحكم علي سوبر مان .
- تعجلت ! اين كان سوبر مان طوال هذه الفتره ؟ ألم يكُن يعلم ان العالم في حاجه إليه ؟
- لويز انتي لا تعلمين كيف كانت ظروفه .
- هل انت تعلم كلارك ؟ ، اجب علي سؤالي هل تعلم ؟
- لا ، لا احد يعلم ، ربما ....
- ااااه ، انت ايضاً يا كلارك لم تتغير ، تدافع دون ان تعرف ، انت صحفي يجب ان تبحث اولا ثم تطلق الاحكام .
- و لكنك تطلقين الاحكام دون بحث او تحقيق !
- اختفائه اكبر سبب كلارك ، رحيله و العالم في امس الحاجه إليه .
- و ماذا عنك لويز ؟
- ماذا ؟!
- هل اخبرك " سوبر مان " انه سوف يرحل ؟
- لا ، فقط اختفي !
- ....
- عزيزي كلارك دعك من هذا ، اليوم سعادتي بالغه ، اشعر انني انتصر علي رئيس التحرير بهذا المقال ، الجائزه تكفي ، دائماً كُنت اعتقد ان رأس ذلك الرجل في مؤخرته من كثره جلوسه عليها اصبحت لا تعمل .
- لويز ....
- انت رائع كلارك ، المفضل لدي بنظارتك و شعرك و بذلتك ، سوف اذهب لأدخن سيجاره اعلي المبني ، اراك لاحقا .

- حسناً .

الأربعاء، 18 نوفمبر 2015

( 14 ) الهروب الكبير ! - شتاء 2014 - جزء 8



شتاء 2014
   ذلك اليوم الذى قُمت بزيارته فيه , شعرت اننى كان يجب ان اظل بجانبه وقت أطول , أحسست أننى افتقدة رغم وجودى معه منذ ساعات , شئ ما أيقظنى من نومى , الرابعه فجراً , شعور سئ أحتلنى و جعلنى اتنفس بصعوبه , دموعى بدأت تسيل , اشعر بقلق و خوف لم اشعر بهم من قبل , قُمت من فراشى و أرتديت قميصاً يسترنى حتى خصرى , أخذت مفاتيح شقته و أتجهت إليها , جلست بداخلها و انا اضم أرجلى حتى نهدي , أتأرجح كمن ينتظر خبراً سئ , لم تتوقف دموعى من الانهمار حتى سمعت صوت هاتفى يرن , فى ذلك الوقت , الامر لا يبشر بخير , ذلك رقم الدكتور المتابع لحاله (يوسف) , ترددت لثوانى قبل ان اجيب , قلبى يكاد ان يشق صدرى من القلق و الخوف , مسحت دموعى و استجمعت ما تبقى من شجاعه بداخلى و ضغطت على زر الرد ...
_ ألو
_ استاذه (صبا) معايا ؟
_ ايوه يا دكتور , انا معاك , (يوسف) حصل له حاجه ؟
   قُلتها بحنجره مدبوحه و صوت يريد البكاء , كأننى اعلم مسبقاً ما سوف يقوله لى ...
_ البقيه فى حياتك
لم يكمل جملته حتى أنهرت فى البكاء كأننى كًنت فقط اريد ان يعطينى احد الاذن ...
_ شدى حيلك , ياريت حضرتك تكونى موجوده الصبح الساعه تسعه عشان نخلص الاجراءات , البقيه فى حياتك مره تانيه
   اغلق الرجل الخط و تركنى وسط حزنى و دموعى و صدمتى التى لا استطيع استيعابها , فجأه رحل ذلك الغريب الذى كان يسكن بجوارى , يراقبنى كلما سنحت له الفرصه , يريدنى بجانبه و لكن وحدته طغيت عليه , انا كُنت له النور الذى يضئ ظلمته و هو كان لى حياه جديده .. حياه لم تبدأ , كُنت أراقبه مثلما كان يراقبنى , أقف خلف باب شقته , أريد أقتحام حياته الهادئه , كُنت أشعر بمدى حزنه و عبوس وجه , قله حديثه و صمته المطبق , شقته التى لا يزوره بها أحد , هروبه من شئ ما , لم تكن حياته مثل اى شخص اخر , كان يخفى سراً , سر كبير , تركنى لوحدتى مره اخرى , تركنى لحالى استمع إلى موسيقتى و ألحانى بعد ان دب الامل بداخلى و كأنه لم يكن له وجود !

التاسعه صباحا ...
مستشفى السلام الدولى ...
   مر الوقت علىِ كأنه زمن لا ينتهى , منذ سماعى لخبر وفاته حتى موعدى بالمستشفى لكى اقوم بأنهاء الاجراءات و استخراج شهاده الوفاه , أرتديت ملابس سوداء و نظارتى الشمسيه و أنطلق إلى المستشفى لا أدرى بنفسى و لا أستطيع التحكم بدموعى المنهمره منذ سماعى لما حدث , وصلت إلى شارع كورنيش النيل بالمعادى حيث تقع المستشفى , دقائق معدوده و كنت مع الطبيب الذى كان متابعا لحاله (يوسف) , بدى القلق و الحيره و الاضطراب على وجه عندما رأنى , كأنه لا يعلم ماذا يقول , المعتاد فى هذه المواقف هو هو المعتاد كما يحدث بالافلام التى نشاهدها , يأتى بكل برود و يقول جملتين تعود عليهم و ينتهى الامر بعد ذلك و لكن وجه يقول غير ذلك ...

_ استاذه (صبا) , أزى حضرتك ؟ , البقيه فى حياتك , ممكن نروح على مكتب مدير المستشفى
   لم أتمكن من الرد أو الاستفسار عن سبب أرتباكه ...
_ طيب هو أحنا هنروح ليه على مكتب مدير المستشفى ؟ , هو مش المفروض ان هنعمل الاجراءات دلوقتى زى ما قُلت ليا فى التيلفون ؟!
   لم يهتم بالرد على ما أقوله و ظل مستمراً فى سيره و العرق ينهمر من جبينه حتى توقف لثوان ...
_ انا معنديش اى حاجه اقولها ليكى فى الوقت الحالى او مش مسموح ليا انى اتكلم , هتعرفى كل حاجه لما نوصل لمكتب المدير , خلاص قربنا نوصل
   ثم اكمل سيره بخطوات أسرع مما كان يخطوها قبل سؤالى له , أشعر أنه يخفى علىِ شئ , هل يوجد أسوء مما حدث ؟ , هل يوجد أسوء من موت (يوسف) ؟ , عبرنا كوريدور يفصل بين مبنيين حتى وصلنا إلى مكتب المدير و قبل أن ندخل , قام الطبيب الذى يصتحبنى بهندمه ملابسه و مسح عرقه من على وجه و جبيه و بعد نفس عميق أطرق باب المكتب ثم دخلنا , اعتقد ان بها احد و لكنها فارغة , الغرفه مساحتها كبيره نوعا ما , الحائط المقابل لباب الغرفه ملئ بشهادات كثيره و باقى الحوائط الثلاثه واحده تحمل تكيف صغير و اخرى بها نافذه تطل على الشارع و اخرى عليها صور لمبنى المستشفى , أنزلت نظارتى السوداء من على وجهى ثم نظرت إلى لوحه معدنيه موضوعه على المكتب مكتوب عليها (دكتور محمد السيد) المدير الطبى و رئيس وحده العنايه المركزه , جلست و وضعت شنطتى امامى فى أنتظار مدير المستشفى , ثم أنصرف الطبيب الذى معى متعللاً بمتابعه حاله كانت معه , ظللت منتظره عده دقائق حتى أتى شاب و قدم لى عصير ليمون لتهدئه أعصابى التى فقدتها منذ عده ساعات , لا أشعر برغبه فى أى شئ ولا حتى الشرب , بدأ القلق يسيطر علىِ لا أعلم لماذا لم يأتى أحد حتى الان لكى يخبرنى ماذا يحدث ؟ و لماذا انا جالسه هنا ؟ , خلال شرودى دخل رجل فى العقد الخامس يرتدى قميص ابيض و رابطه عنق زرقاء و بنطال اسود و حذاء كلاسيكي , طويل بعض الشئ و لديه شارب خفيف , نظر إلى ثم أبتسم تخفيفاً للامر , ثم قال بعد أن جلس أمامى ...
_ دكتور (أيمن) مدير المستشفى
_ (صبا) صديقه و جاره (يوسف) الله يرحمه , هو فى ايه يا دكتور ؟ , انا مش فاهمه حاجه !
_ هتعرفى كل حاجه بس الاول دكتور (محمد) يوصل
   أزدادت حيرتى و قلقى و بدأت أشعر بأن هناك شئ يحاولون أخفاءه علىِ , عادت دموعى مره أخرى فى الانهمار و بدأ التوتر يحتل جسدى و يفقدنى أعصابى , قدمى تهتز فى عنف و اصابعى تطرق المكتب فى سرعه حتى دخل علينا رجل لا يختلف كثيرا عن من يجلس أمامى الان و لكنه يرتدى بلطو المستشفى الابيض و يضع سماعه الكشف حول رقبته , أقترب منىِ و قدم واجب العزاء و جلس على مكتبه ثم أفتتح الكلام الدكتور (أيمن) ...
_ أستاذه (صبا) صديقه و جاره (يوسف)
   رد دكتور (محمد) قائلا : الله يرحمه , بصوت خافت ثم نظر إلى و قال ...
_ البقاء لله يا استاذه (صبا) , احب اعرفك فى الاول بنفسى , دكتور (محمد السيد) المدير الطبى و رئيس وحده العنايه المركزه و كنت المتابع لحاله (يوسف) الفتره الاخيره قبل وفاته , فى حاجات كتير لازم تعرفيها بس فى الاول لازم اقولك ان احنا مش لاقين جثه (يوسف) ... ثم صمت !
   توقف بداخلى كل شئ , قلقى و توترى و حزنى , توقفت قدمى عن الاهتزاز و شلت يدى , ما قاله لا أستوعبه , أغلقت فمى من الصدمه و أغمضت عينى لثوانى ثم فتحتها مره أخرى , أحساس "جردل" الماء البارد الذى ألقى علىِ مازال مسيطر , ثم أكمل ...
_ انا مش عارف أزاى ده حصل , الجثه ملهاش اى وجود فى المستشفى , دكتور (أيمن) بنفسه بيحقق فى الموضوع , احنا بلغنا الشرطه لكن ردهم كان غير متوقع ان (يوسف) مش مقيد ولا مسجل فى سجل مدنى للدوله , بمعنى تانى ملوش بطاقه او اى ورقه رسميه , يعنى ملوش وجود من اصله ...
   قاطعته بعصبيه قائله ...
_ يعنى الكلام ده , انا لما جبت (يوسف) هنا كانت معايا البطاقه الشخصيه بتاعته و سلمتها فى الاستقبال , ازاى ملوش وجود ؟
_ حتى البطاقه بتاعته مش موجوده فى الاستقبال , مفيش اى ورق يخصه عندنا فى المستشفى , كل حاجه أختفت زى ما احنا مش لاقين جثته , ده حتى الورق اللى يخص المستشفى , الاشعه و التحاليل و المتابعه , كل ده اختفى !
   لا أشعر بشئ , لا أستطيع التحمل , لماذا كل هذا يا ربى ؟ , حرقه قلبى عليه لا توصف , أشعر بضيق شديد , قام دكتور (أيمن) بتقديم الليمون لى لكى اهدئ نفسى , أخذت رشفتين و لم أستطع أن أكمل ثم أكمل دكتور (محمد) قائلا ...
_ انا عايز اقولك على حاجه , (يوسف) مش أول مره يدخل عندنا المستشفى , على ما افتكر (يوسف) جى قبل كده فى حادثه عربيه جامده اوى من حوالى تسع سنين فى بدايه 2005 , كان معاه والده و ولدته بس ماتو فى الحادثه و هو الوحيد اللى عاش , (يوسف) الحادثه عملت له فقدان فى الذاكره , بقى مش فاكر أى حاجه من بعد الحادثه ولا حتى أبو و أمه اللى ماتوا , بجانب فقدان الذاكره , ظهره اتكسر فى اخر فقرتين و على ما افتكر بردو كان عنده شرخ فى الحوض و كسور فى الدراع و الرجلين , كان مدمر بمعنى الكلمه , الغريب فى الموضوع أنه اول ما دخل المستشفى مكناش نعرف عنه اى حاجه لا اسم ولا عنوان ولا حتى بطاقه , كان جى على النقاله و هدومه مليانه دم و مفهاش لا فلوس ولا ورق يعرفنا عنه اى حاجه , فضل فى المستشفى سنه كامله من بين غيبوبه و عمليات و علاج طبيعى , طول السنه دى محدش سأل عليه خالص , مفيش حد زاره ولا مره , اللى كان متابع معاه دكتور (سلوى عبدالحميد) أخصائى العلاج الطبيعى وقتها ...
   قاطعته متسائله ...
_ طيب و هى موجوده هنا ؟
_ لا هى فى فرع المستشفى اللى فى الكويت حاليا و هترجع الشهر اللى جى , قبل ما (يوسف) يطلع من المستشفى لقينا حسابه كله مدفوع , حساب السنه من عمليات و اقامه و غيره كله مدفوع و لقينا فى الاستقبال ظرف ابيض و عليه ورقه مكتوب فيها "يُسلم إلى نزيل غرفه رقم 53" نفس رقم الاوضه اللى نزل فيها (يوسف) المره دى , المهم هو كان مكتوب له خروج فى اليوم ده و كان بيجهز نفسه و حاجته عشان يخرج بس لسبب احنا معرفوش لحد دلوقتى اغمى عليه ففضل يوم كمان تحت الملاحظه ...
   قاطعته ثانيه و انا فى قمه زهولى و صدمتى و حزنى ...
_ طيب هو اغمى عليه ليه ؟
_ مش عارف بس سبب الاغماء صدمه , انا و الدكاتره اللى كانوا معايا لقينا الظرف الابيض و فيه بطاقه شخصيه بأسم (يوسف) و لقينا مفتاح عادى و مفتاح عربيه و رخصه سواقه و رخصه عربيه و فيزا , ساعتها عرفنا ان اسمه (يوسف)
   أحاول العثور على لسانى لكى أقول أى شئ لكن هذا اليوم يحمل مفاجأت أكثر من اللازم , أرحت ظهرى و وضعت يدى على جبينى و أحاول الحفاظ على ما تبقى بداخلى من قوى و دموعى تسقط الواحده تلو الاخرى ...
_ ايه سبب الوفاه يا دكتور ؟
   تنهد الرجل و اراح يده ثم قال ...
_ (يوسف) كان كويس لحد بعد الزياره بتعتك له , لكن بعدها قال للممرضه انه تعبان و مش قادر ينام , الممرضه راحت ادت له حقنه مهدئه و بعدها بفتره بدأ يتشنج و جسمه يتنفض بطريقه غريبه جدا , سرعه ضربات قلبه زادت بطريقه جنونيه و فجأه لقينا دم كتير بيسيل من جسمه كأن حد ضربه بسكينه , عينه كانت بدور بطريقه غريبه كأنه شايف حد غيرنا فى الاوضه , قلبه وقف مره واحده لكن جسمه كان لسه بيتشنج , عملت له انعاش مرتين لكن فى التالته سكت مره واحده و كانت ساعه الوفاه 10 : 4 الفجر , موت (يوسف) غريب جدا و لحد دلوقتى مش لاقى تفسير للطعنات اللى كانت فى جسمه
_ انا مش قادره أصدق كل ده , خلاص مش قادره أستحمل , مش قادره بجد
   ثم أنهرت فى البكاء ...
_ انا اسف يا استاذه (صبا) بس ده اللى حصل و بجد مفيش فى ادينا حاجه نعملها و اختفاء الاوراق و الجثه ملوش تفسير
_ طيب و الحل ؟
   هنا تحدث دكتور (أيمن) ...
_ مفيش حل , كأن شئ لم يكن
سألته بأنفعال ...
_ يعنى ايه ؟
_ يعنى (يوسف) مدخلش المستشفى اصلا
_ ............
   ثم أكمل ...
_ مفيش جثه ولا أثبات أن (يوسف) له بطاقه او اى حاجه تثبت ان الراجل ده كان موجود على قيد الحياه
_ انتوا عارفين انه دخل المستشفى
_ و الحكومه بتقول ان مفيش وجود له و كمان ورق المستشفى اختفى , مفيش اكتر من ان مفيش جثه
   تدخل دكتور (محمد) منهيا الحديث ...
_ احنا اسفين يا استاذه (صبا) , زى ما دكتور (ايمن) قال كأن شئ لم يكن .

الأحد، 15 نوفمبر 2015

( 13 ) الهروب الكبير ! - شتاء 2005 - جزء 2



بعد مرور سنه ...
غرفه رقم 53 ...
   عاما كاملا داخل المستشفى , شهرين غائب عن الوعى , خمسه أشهر غارقا فى الجبس و الكسور و الخياطات , خمسه أشهر أخرى علاج طبيعى و تأهيل نفسى .
   اليوم هو تذكره خروجى من المستشفى و لكن إلى إين ؟! , لا أعرف عنوان لبيت كُنت أسكن به ولا أعرف صديق أذهب إليه ولا حتى قريب أستنجد به , كل هذه أسئله تدور برأسى , بينما أقوم بتصفيف شعرى نظرت إلى المرأه , حقاً أنا لا أعرف من الذى يوجد أمامى , تغير شكلى تماماً بعد الحادثه , لم أعد أمت بصله لشكلى منذ سنه فاتت !
   الأهم من كل هذا , كيف سأدفع مصاريف المستشفى ؟! , و كيف لم يطالبونى بها طوال هذه المده ؟! و بأسم من سوف تكتب الفواتير و بأسم من سأمضى فى حياتى القادمه .. أنا أنتهيت على كل حال !
   خلال التفكير فى هذه المأساه , بدأ الطرق على باب الغرفه ...
_ أدخل !
   كانت الممرضه و تحمل بيديها ظرف ابيض ...
_ الظرف الابيض ده مبعوت لحضرتك .
_ من مين ؟!
_ معرفش , الاستقبال تحت قالى طلعى الظرف ده لأوضه 53 !
_ طيب , شكرا !
   رحلت الممرضه و أغلقت الباب خلفها , ظرف أبيض لغرفه 53 , من سيرسل لى ظرف بعد مرور سنه كامله منذ حدوث الحادثه , الظرف لا يوجد عليه أى كتابه أو أسم مرسل أو عنوان أو حتى رقم غرفتى !
   بدأت فى فتح الظرف و معه بدأت دقات قلبى فى الاسراع , أفرغت محتوياته على السرير بجانبى حيث وجدت ...
بطاقه رقم قومى بأسم : (يوسف أمين منصور) – الوظيفه : مذيع راديو – الحاله : أعزب !
باسبور للسفر للخارج بنفس الاسم و بنفس المعلومات !
رخصه قياده و رخصه سياره موديل حديث , اسود ميتالك !
عقد ملكيه السياره و عقد ملكيه شقه تقع فى مدينه نصر !
فيزا !
سلسله مفاتيح يوجد بها مفتاحين , احدهم مفتاح السياره !
   ما هذه الاشياء ؟! , صورتى على البطاقه و لكن أسم من هذا ؟! , لم أعد أستطيع الاحتمال أكثر من ذلك . أشعر بصداع سوف يدمرنى , أنا , أنا ...
_ استاذ (يوسف) , استاذ (يوسف) !
   بدأت أفتح عينى رويداً رويداً حتى وجدت دكتور و ممرضه بجانبه و يمسك بيده كشاف صغير يسلط ضوءه  داخل عينى ...
_ استاذ (يوسف) انت كويس ؟!
_ (يوسف) مين ؟! , هو حصل ايه ؟!
_ انت اغمى عليك مره واحده , حمدلله على السلامه , انت كان مكتوب ليك خروج انهارده , هتقعد معانا لحد باليل بس عشان نطمن عليك و كويس ان احنا عرفنا ان اسمك (يوسف) بعد كل المده دى , حمدلله على سلامتك .
_ الله يسلمك , الله يسلمك .
   خرج الدكتور و خلفه الممرضه و تركونى غارقا فى أسئلتى التى لا تنتهى , (يوسف) مين ؟! , نظرت بجانبى , وجدت الظرف الابيض موضوعاً على طاوله الأكل , ليس مره أخرى , قمت و فتحته و وجدت به نفس الأشياء التى وجدتها أول مره , إذا الأمر ليس تخيلات أو هلوسه , الأمر حقيقى !

   أنقضى اليوم سريعاً و اتى المساء يحمل السُحب المتزاحمه فى السماء , حالة من الذهول و الصدمة مازلت مسيطره علىِ , اقتربت من نافذة الغرفة و استنشقت بعض الهواء البارد , اريد ان اغمض عينى و عند فتحها اعود إلى ما كُنت عليه منذ عام مضى , قبل الحادثة , قبل ان افقد كُل شى , قبل ان افقد نفسى و اتحول إلى لا شئ , فعلاً انا لا شئ , حتى ليله امس كُنت مجهول الهوية لا اعرف من انا , اما الان فكل شئ اختلف !

   رويداً رويداً بدأت انتبه إلى صوت دقات عقرب ساعة يدي و معها دخلت (وفاء) من فريق تمريض المستشفى و التى كانت متابعة لحالتى فى الاربع شهور الاخيرة ...

_ انا افتكرتك مشيت .

_ ازيك يا (وفاء) ؟ , عملتى ايه مع عدوتك اللدودة ؟

_ بلا نيله افتكر حاجه عدله , انت كويس ؟

_ انتى شايفه ايه ؟

_ عينى عليك بارده , واقف زى الاسد , بس انا اقصد مش هتحتاج حاجه ؟ , هتعمل ايه بعد ما تخرج ؟ , ده انت يا حبه عينى محدش سأل فيك من ساعه ما جيت هنا .

_ لا من الناحيه دى متقلقيش , انا عارف رايح فين , اول مره اعرف انا رايح فين .

_ طيب ليه مكشر كده ؟ , ايه مش مبسوط انك هتخرج من هنا ؟ , ولا انت اتعودت علينا خلاص ؟

_ و الله يا (وفاء) انتى من الناس اللى مش هعرف انساها بسرعه , كفايا خفه دمك و حوراتك مع الريسه .

_ الريسه ! , دى زمنها بتمر و انا مش ناقصه , انت فاهم دى عدوتى اللدودة , اشوفك على خير يا استاذ (يوسف) .

_ سلام يا (وفاء) .

   خارج المستشفى كُنت داخل تاكسى ذاهباً إلى حياتى الجديدة المبهمه ...

السبت، 24 أكتوبر 2015

( 12 ) الهروب الكبير ! - شتاء 2005 - جزء 1




شتاء 2005 ...
ليله رأس السنه ... العنايه المركزه ...
_ حمدلله على السلامه .
    قالتها و هى تغرز حقنه داخل محلول معلق وجد طريقه داخل عروقى , غرقه حوائطها بيضاء و تلفاز صغير معلق , على اليمين نافذه و ستاره بلاستيكيه و لوحه معلقه بها منظر طبيعى و على اليسار الحمام و باب الغرفه و بالأمام كرسيان لزوار لن يأتوا , غارقا فى الجبس و الخياطات و صداع ترك العالم كله و مسك رأسى , سألتها ...
_ هو حصل ايه ؟! .
_ استريح دلوقتى .. قالتها بأبتسامه مريحه .
   و قبل ان ترحل , امسكت يدها البيضاء الناعمه , مكررا ...
_  معلش عايز اعرف ايه اللى حصل ؟!
    لم تجد طريقا للفرار من اسئلتى حتى قالت ...
_ انا عندى مرور دلوقتى هخلص و اجى احكى ليك .
   هززت رأسى موافقا و أنا لا أشعر بشئ سوى صداع قاتل , خاصيه أرجاع الشريط توقفت عندى , لا أتذكر أى شئ , لا زائرون ولا ورود ولا كروت تتمنى الشفاء العاجل , أشعر بأنى ولد هكذا , بعد أنتظار ساعات طويله وجدتها قادمه و تحمل فى يديها علبه عصير , سحبت كرسى و جلست بالقرب منى , وضعت الماسوره البلاسيكيه داخل علبه العصير و اعطتنى !
   بالكاد تذوقت طعمه و سألتها ...
   
_ هو ايه اللى حصل ؟!
   أعتدلت فى جلستها و قالت ...
_ حادثه عربيه , طلعوا العربيه من تحت تريله كانت واقفه على جنب الطريق و بعد كده طلعوك , الناس بتقول ان العربيه دخلت فى الترله بكل سرعتها , معجزه انك لسه عايش , قاطعتها و انا احاول اعاده المشهد ...
_ طيب انا حصلى ايه ؟!
   
   تنهدت ثم قالت ...
_ كسر فى الظهر اخر فقرتين , شرخ فى الحوض , خلع فى الركبه اليمين و الكوع الشمال و ارتجاج فى المخ , شرت بنظرى ناحيه النافذه قائلا لنفسى : هذه مجموعه حوادث و ليست حادثه واحده , انتهيت !
   أكملت ...
_ حالتك مستقره بس هتشرفنا هنا كتير , عاجلتها ...
_ محدش سأل عليه ؟!
_ انت بقالك هنا اكتر من شهرين فى غيبوبه , محدش سأل عليك خالص .
   أغمضت عينى و أنا ألعن نفسى عن سبب سؤالى لها عن حالتى و ماذا حدث , قامت من على الكرسى قائله ...
_ استريح دلوقتى .
   و قبل أن تفتح باب الغرفه و تخرج قالت ...
_ اه افتكرت , احنا ملقناش معاك لا بطاقه ولا موبيل ولا اى حاجه تثبت شخصيتك , انت مش فاكر اسمك ايه ؟!
   هززت رأسى نافيا , أى لا أعرف , ترددت قليلا قبل أن تكمل ...
_ انا اسفه , والدك و ولدتك ماتوا فى الحادثه .
   ثم خرجت مسرعه !

   من أنا ؟!
   من أبى و أمى ؟!
   ماذا حدث ؟!
   و أخيرا , لماذا لم يأتى أحد لزيارتى طوال هذه المده ؟!
   أسئله كثيره تدور داخل رأسى بدون توقف و الصداع يكاد يقتلنى , لا أستطيع تحمل المزيد من هذه الأسئله , مهما فعلت لن أحصل على أى أجابه و أنا أعانى فقدان فى الذاكره أو ربما أصبحت أعانى من فقدان حياه بأكملها , أحتاج إلى النوم و لو لساعات قليله !
   درجه الحراره ترتفع ببطئ ، أشعر بصهد يخرج من جسدي و العرق ينصب من علي جبيني و قطراته تسيل علي السرير ، غارق في النوم أو شبه نائم ، أحلم أم أعاني كابوس ، لا أعلم ، حواسي مستيقظه بعنف شديد تلتقت كل المثيرات ، سهم الهواء الخفيف علي وجهي و صوت صرير النافذه يمينا و يسارا تتراقص مع الريح و صوت موتور الماء يرفع للدور السابع , نائم مغروس بقلب السرير يكاد ظهري يلامس الأرض !
   قابعه فوق صدري واضعه يديها علي وجهي تزيح قطرات العرق ، صوت دقات قلبي بدأ يرتفع ، لا أراها ، عيني ثقيله حتي الموت ، رائحه عطرها حيه تلتف حول عنقي ، بؤبؤ العين يدور كمن وقع فريسه لأحد الاسود , أشعر بنهديها و أرجلها فوقي ، لا أستطيع أن أتنفس ، أريد أن أستيقظ ، يدي اليمني تتحرك ككفيف يشق طريقه داخل غرفه مظلمه ، لن تأخذ روحي ، لن أذهب معها ، لن أستسلم ، صوت المنبه يصرح في أرجاء الحجره !
   نظرت له و ضاقت عيناها و أشتعلت غضبا ، تتوعد أن تأتي مره أخري ، قمت ملدوغا كمن قرصه عقرب اتحسس رقبتي و صدري و أراقب هروبها من بين ثنايات النافذه , دخلت الممرضه و بيدها حقنه ثم تيبثت عندما رأتنى و بصعوبه قالت ...
_ انت مالك وشك اصفر كده ليه و غرقان فى العرق و ايه الاحمرار اللى حولين رقبتك ده ؟!
_ أ أ أ , انا بس تعبان و الحر و العرق هما اللى عملين كده فى رقبتى .
_ حر ايه و عرق ايه , ده احنا فى اول يناير , يعنى فى عز الشتا !
   لم أستطيع الرد عليها فليس لدى وصف أو تفسير لما حدث منذ قليل لكى أقوله لها أو لنفسى ...
_ عموما ده معاد الحقنه بتاعتك , هتريحك و تخليك تنام كويس .
   أخذ سائل الحقنه يشق طريقه داخل اوردتى حتى ذهبت فى النوم لا أشعر بشئ !

غرفه رقم 53 ...
   تم نقلى من العنايه المركزه بعد أن قضيت بها شهرين غائب عن الوعى إلى غرفه عاديه و مازلت غارقا فى الكسور و الخياطات و الجبس الأبيض الذى أصبح جزء منى , ظللت أحاول جاهدا أن أتذكر أى شئ عن الحادثه أو عن أهلى و أقاربى و الأصدقاء , و لكن كل المحاولات بائت بالفشل , أصبحت أشك إن الأمر ليس له علاقه بفقدان الذاكره فقط أنما أمتد إلى مناطق أخرى مرعبه , لان طوال وجودى بالمستشفى حتى هذه اللحظه لم يقم أحد بالسؤال عنى , لا أحد على الأطلاق !
   مر أكثر من خمسه أشهر و أنا جالسا على السرير , الشرائح و المسامير بكوعى الايسر و ركبتى اليمنى و الصفائح فوق و تحت الفقرتين المكسورتين بظهرى , بعد كل هذا الوقت تم فك الجبس من جميع أنحاء جسدى و إزاله بعض الشرائح و المسامير و بدأ العلاج الطبيعى مع الدكتوره (سلوى) !
   اليوم هو أول جلسه علاج طبيعى مع الدكتوره (سلوى) و أنا فى أنتظارها منذ الصباح , لقد مللت عدم الحراك لعده شهور و أريد أن أقوم من على الفراش بأى طريقه ممكنه , بداخلى طاقه قويه تجاه هذا العلاج , سأقوم بأى شئ لكى استطيع أن أسير مره أخرى !
   دخلت الممرضه الغرفه و تجر أمامها كرسى متحرك , عندما نظرت إليه شعرت بمدى عجزى , تلك أول مره اجلس عليه , أغمضت عينى فى محاوله لتقبل الامر , أعلم إن يوجد جهد كبير سوف أقوم به لكى استطيع أن أسير , على الاقل بعكازين , اااه , لا يوجد مفر , أقتربت الممرضه بالكرسى و ألصقته بالسرير و أتى من خلفها أثنان ممرضين رجال , قام الاول بحملى من الخلف و الثانى ساعده من الامام حتى تم وضعى على الكرسى و بدأت الممرضه تسير بى عبر ممرات و أروقه المستشفى , عند كل غرفه كنت أمر بجانبها كنت أنظر داخلها , هل يوجد أحدا حالته أسوء من حالتى ؟! .. الاجابه لا , لا أحد يعانى من فقدان الذاكره هنا !
   وصلت إلى الصاله الرياضه , غرفه مساحتها كبيره , كل حوائطها مكسوه بالمرايات كصالات الحديد و أنديه الجيم و اللياقه البدنيه , يوجد الكثير من الأجهزه الرياضه التى تساعد على تضخيم و نمو العضلات و لكن فى حالتى هذه الاجهزه سوف تعيد تأهيلى كى أصبح أنسان يستطيع أن يمارس حياته مره أخرى , حياته التى توقفت منذ أن فقد ذاكرته !
   يوجد العديد من الرجال و الشباب الذين يمارسون العلاج الطبيعى و كل واحد منهم يصاحبه ممرض أو دكتور يشرف على علاجه ...
_ عامل ايه دلوقتى ؟!
   قطع أكتشافى للمكان صوت سيده أتمت نصف القرن الاول من عمرها و تبدأ فى النصف الثانى , أدرت الكرسى الذى أجلس عليه و نظرت إليها , الانطباع الاول دائما يدوم , سيده فى العقد السادس من عمرها , التجاعيد تغزوا وجهها بأستيحاء , قوام ممشوق رغم الستون عاما التى مضتت من عمرها أو هكذا خُيل لى , شعرها مائل إلى اللون البنى و متدلى على كتفيها و بلطوا أبيض كُتب عليه , دكتور(سلوى عبدالحميد) , أستشارى العلاج الطبيعى .. فى يوم من الايام كانت هذه السيده جميله !
_ أنا دكتوره (سلوى عبدالحميد) و هتابع معاك العلاج الطبيعى .
_ أهلا يا دكتور .
_ انت جى فى حادثه عربيه , خلى بالك احنا عندنا شغل كتير و هنأخد وقت اكتر , الحمدلله انت فكيت الشرايح و المسامير و الصفحتين اللى فى ظهرك و الاشعه بتقول ان الحوض بدأ يلحم , انت أخدت حوالى خمس شهور فى الجبس و فى العلاج الطبيعى هنأخد حوالى من تلات لأربع شهور .. ايه ساكت ليه ؟!
_ أنا مش هقدر أستحمل كل الوقت ده , أنا تعبت من القعده فى المستشفى , جبس و خياطات و مسامير و شرايح و وجع ملوش أول من أخر , انا , انا بقالى هنا أكتر من سبع شهور محدش سأل عليه ولا انا عارف أفتكر حد من أهلى او صحابى أو أى حاجه , انا ابويا و امى ماتوا و مش قادر احزن عليهم عشان مش فاكر هما مين اصلا و شكلهم ايه !
_ انا حاسه باللى انت بتمر بي و ربنا يكون فى عونك و مدركه ان فقدان الذاكره ده حاجه صعبه على المريض و على اللى بيعالجه كمان , انا كل اللى اقدر اقدمه ليك ان اخليك ترجع تمشى على رجلك مره تانيه , انت عضمك لحم بسرعه و دى حاجه نادره الحدوث و اكيد هيبقى عندك اراده قويه عشان تبدأ العلاج الطبيعى , خدها نصيحه منى متفكرش فى اى حاجه دلوقتى غير فى العلاج الطبيعى و انك ترجع تمشى على رجلك تانى .
_ حاضر .
_ احنا مش هنعمل حاجه انهارده , انا كنت حابه اتعرف عليك و نتكلم مع بعض شويه , من بكره الصبح هنبدأ العلاج , استريح و نام كويس و متفكرش فى حاجه غير العلاج عشان بكره يوم طويل يا بطل .
   أبتسمت ردا على كلامها و أنا من داخلى أشعر بالضياع و الانهيار و فقدان الامل فى كل شئ , أتت الممرضه و أعادتنى إلى غرفتى مره أخرى لكى أبدأ رحله جديده .. رحله العلاج الطبيعى !

الثلاثاء، 8 سبتمبر 2015

( 11 ) الهروب الكبير ! - خريف 2009 - جزء 4


اليوم التالى ...
   نظرت إلى سقف الغرفه أراقب رقصات أشعه شمس الصباح عليه فى محاوله لفهم ما يحدث لى الأن , أولا من لا تكف عن ملاحقتى و أصرارها على قتلى من بعد الحادثه و فى كل مره أفلت منها بأعجوبه كأن ملاكى الحارس دائما على أستعداد , ثانيا الحسناء التى حلمت بها أثناء نومى , لم أعد أستطيع التحمل أكثر من ذلك , الصداع يحتل رأسى المسكينه نصف أبراجها وقع و النصف الأخر هدم بأمر أزاله الا واحدا فقط تبقى أسكن به , أين سجلت رقم دكتور (عادل) ؟!
   القاهره و زحامها أصابنى بالجنون , ربما الذهاب إلى الأسكندريه الأن أنسب حل , تغيرا للجو و الحاله و الاستمتاع بمشاهده الغروب على الشاطئ , طوال الطريق لا أفكر فى شئ سوى المكان الذى سوف اذهب إليه الان , أحساس غريب أشعر به كلها سمعت أسم تلك المدينه الساحره , يربطنى بها شئ خفى لا أعرف ما هو كأننى من هناك !
   "الاسكندريه موجه حب على ارض مصر" عباره مكتوبه على نفق "كيلوبترا" .. باقى أقل من نصف ساعه على غروب الشمس , أسرعت حتى عبرت شارع "ابو قير" من منطقه "رشدى" إلى الكورنيش , كورنيش الأسكندريه له طابع خاص عن أى كورنيش أخر , هواء البحر المحمل بماده "اليود" التى تنعش الصدر و تطيل العمر , الصيادين و سيارات الميكروباص البيضاء و الحمراء التى لا تنتهى و التاكسى الذى يحمل اللون الأسود و البرتقالى و أغنيه "منير" ...
يا اسكندرية
يا إسكندرية بحرك عجايب
ياريت ينوبنى من الحب نايب
تحدفنى موجة على صدر موجة
والبحر هوجة والصيف مطايب
اغسل هدومى يا إسكندرية
وانشرهمومى يا إسكندرية
على شمس طالعة وانا فيها دايب
كأنى فلاح من جيش عرابى
مات ع الطوابى وراح فى بحرك
كأنى نسمة فوق الروابى
من البحر جاية تغرق فى سحرك
كأنى كلمة من عقل بيرم
كأنى غنوة من قلب سيد
كأنى جوة المظاهرة طالب
هتف بأسمك وراح معيد
ياإسكندرية يا مصراوية
على سن باسم
على ضحكة هلة
البحر شباك ومشربية
وانتى الاميرة ع الدنيا طلة
وفيكى خمرى يا اسكندرية
سلمت أمرى يا اسكندرية
مقدرش اشوفه
وما اغنيلوش
يا إسكندرية عاشق وبدى
ارتاح فى حضنك الود ودى
يكون كلامى عربون غرامى
وبالمحبة ناخد وندى
يا إسكندرية فيكى الغلابة
ع الرزق يسعوا ولا يناموش
نزل شبكهم فى بحر طامى
طلع شبكهم على فشوش
وفيكى بين البشر ديابة
وفيكى فوق البشر وحوش
وفيكى ناس مغرمين صبابة
لو خان زمانهم ما بيخنوش
وفيكى خمرى يا اسكندرية
سلمت امرى يا اسكندرية
مقدرش اشوفة وما اغنيلوش
   ركنت السياره فى شارع جانبى و تمشيت قليلا مستمتعا بحاله الجو على الكورنيش حتى وصلت إلى كافيه بواجهه زجاج تكشف البحر و بدايه غروب الشمس , دخلت و جلست , طاوله بجانب الزجاج الذي يكشف السيارات المسرعه و صوت الأمواج الذي يصدر من أله البحر عند أصدقائى اليونان و الرومان , قهوه تركي و سجائر محشوه و كوب ماء و هاتف لا يرن ، حاله من الصوفيه تملا المكان مع لحيه ثقيله و شعر مصفف بعنايه و نظاره شمسيه أرى العالم من خلفها لعله يتغير و لكنه أصبح كئيب أكثر ، قميص و بنطال و حذاء كلاسيكى كان هذا مظهرى و عطر سألتى النادله عن أسمه !

   بقيت صامتا أنظر إلي البحر و ذهاب الشمس إلي النصف الاخر ، السنه الخامسه لى بعد الحادثه , كل سبل الوصول إلي ما قبل ذلك أصبحت مستحيله كأن روحى سجنت فى الماضى و حكم عليها بالسجن مدى الحياه فأصبحت كائن لا يحزن ، لا يحب ، لا يكره ، لا يفرح .. صامت ، عزيزتي لا تهدي حبيبك عطرا يذكره بك كلما وضعه بل أهدي روحك , من فضلك أحتفظى بالباقى !
  حاسبت على القهوه و على غروب الشمس و على العمر الذى أختفى , أنطلقت بالسياره إلى فندق "سان استيفانو" كل من ذهب الى الأسكندريه زار هذا المكان و عندى وصولى إلى هناك بدأ الشعور الغريب يأتى مره أخرى و لكن بصوره أقوى , داخل ذلك المكان كان يحدث شئ متعلق بى , لا أعرف ما هو و لكنى أشعر به جيدا , بدأ الصداع يضرب رأسى بمطرقه من حديد مره أخرى , يكفى هذا !

    عداد السرعه يشير الى 100 كيلومتر فى الساعه ثم 120 , صوت منبه السرعه بدأ يرن لسان حاله يقول أنت تجاوزت السرعه الأمنه , هل تريد أن تموت ؟! , 130 كيلومتر فى الساعه أزدادت سرعه ضربات الجرس , 140 , 150 , حتى وصلت إلى 175 كيلومتر فى الساعه , كأننى أطير و السيارات من حولى أختلطت مع أضوائها و أصبحوا خطوط مضيئه على الجانبين , معالم الطريق أختفت , منطلق وسط الظلام كرصاصه خرجت و لن تعود إلى خزينتها !
   توقف صوت منبه السرعه ربما تركنى أواجه مصيرى وحدى , الطريق إلى القاهره ليلا لا يوجد به سيارات كثيره , إذا لماذا لا أجرب المغامره ؟! , فأن حدث شئ سأرحل وحدى و إن لم يحدث شئ فأنا أيضا وحدى , طوال الطريق لم أستطيع أن أكسر حاجز 175 كيلومتر فى الساعه و أحقق رقم قياسى جديد فى سحب رخصتى !
   كمين مرور , هذا ما ينقصنى , هديت من سرعتى و أطفأت أنوار السياره العاليه و بكل ثقه دخلت , فكمائن المرور دائما تعتمد على عنصر المفاجأه , وقفت و جاء إلى ضابط شرطه برتبه "ملازم اول" , أنزلت الزجاج و قال لى ...
_ رخصك .
   أخرجت رخصه السياره و رخصتى ...
_ اركن على جنب .
   تبا , لقد ألتقتنى جهاز الرادار اللعين , وداعا رخصتى هذه المره إلى الأبد فا 175 كيلومتر فى الساعه على الطريق الصحراوى كافيه لسجنى مدى الحياه , أوقفت السياره على أحدى جوانب الطريق و ترجلت منها فى طريقى إلى ضابط الشرطه الجالس خلف طاوله و كرسى بجانب سياره و بوكس شرطه و عده عساكر , تحدث الظابط برتبه "نقيب" قائلا ...
_ سايق على سرعه 175 فى طريق عرضه تلات حارات , ده انت قلب بقى و طبعا التعديل اللى فى العربيه مساعدك ... قالها بعد ان نظر إلى سيارتى القابعه على جانب الطريق .
_ السكه كانت فاضيه و الشطان شاطر ... قلتها بأبتسامه .
_ (يوسف امين منصور) , (يوسف امين) , انت مذيع فى الراديو صح ؟!
_ اه .
_ ايوه ايوه , انت اللى كنت بتعمل برنامج المنوعات طول الاسبوع , كنت بسمعك على طول , طيب ليه بقى السرعه يا (يوسف) على الطريق , شوف انا مش هسحب الرخصه بتاعتك عشان التعديل اللى انت عامله فى العربيه , انت عارف ان فى مخالفات على الزينون و التنفيخ , بس معلش هتدفع مايه و خمسين جنيه عشان السرعه , دى معرفش اسامح فيها .
_ خلاص مش مشكله , اتفضل الفلوس , انا اصلا نص مرتبى ضايع على مخالفات المرور ... تقبلها منى الرجل بضحكه .
_ اتفضل رخصتك , فرصه سعيده يا استاذ (يوسف) , بلاش سرعه تانى .
_ انا اسعد .
   أبتسمت له و أنا فى داخلى أصرار على تحطيم الرقم القياسى مره أخرى , أنت لا تعيش إلا مره واحده , فى طريقى إلى السياره و بدون إى مقدمات أتت سياره حمراء و أصتدمت بها , قلبى الصغير لا يحتمل , سائق هذه السياره الحمراء أنتهى أمره من الأن لن أحتاج إلى الشرطه لكى تعاين فالحادث تمت فى كمين المرور , سائق بائس سئ الحظ !
   أجتمع الناس حول السيارتان كصرصار ميت مقلوب و النمل متجمع حوله , خرجت من السياره الحمراء فتاه تبدو فى الخامسه و العشرون من عمرها و القلق و الخوف يمتلكها , هل رأيتها قبل ذلك ؟! , وجهها ليس بغريب !
   تركت كل هذه الأسئله على الأرض و جريت ناحيه حطام السياره و بعد أسعافها و رفضى إن ضابط الشرطه يتخذ أى أجراء ضدها و بعد تمالك أعصابها و أدراك ما حدث , ذهبت اليها ...
_ انتى كويسه ؟!
_ شويه الحمدلله , انا اسفه و الله مكنش قصدى اخبط عربيتك ... و بدأت فى البكاء .
_ اهدى شويه من غير عياط , ولا يهمك , حصل خير , انتى فيكى حاجه , نطلب الاسعاف ؟!
_ لا مش مستهله , انا , انا كنت طالعه من الكمين و فجأه عربيه كسرت عليه و انا بفاديها بدل ما ادوس فرامل دوست بنزين و خبط عربيتك , متقلقش انا هصلحها على حسابى و مفيش داعى للشرطه و كده .
_ تصليح ايه و شرطه ايه بس , فداكى العربيه , المهم انك كويسه .
   انصرف الجمع من حولنا و اخرجت هاتفها من سيارتها الحمراء و قالت ...
_ طيب ممكن رقمك عشان نتفاهم فى امور تصليح العربيه و كده ؟!
_ انتى بردو مصممه , اوك .
   سجلت رقم هاتفى عندها و قامت بالاتصال بى لكى أحفظ رقمها على هاتفى و ذهب كل منا إلى حاله و داخل رأسى يدور ألف سؤال و سؤال , هل رأيتها من قبل ؟! , أم هذه أول مره , ليست غريبه على !

    تركت سيارتى المصابه أمام البرج و صعدت الى شقتى , ألقيت مفاتيحى و أفكارى و أرهاقى و ألقيت بنفسى على السرير , طلوع الروح أسهل بكثير مما حدث لى اليوم , قمت بأخراج هاتفى من داخل جيب البنطال و نظرت إلى رقم الفتاه التى صدمت سيارتى و صدمتنى معها , كيف نسيت أن أسألها عن أسمها !
   هل هى من رأيتها فى الحلم ؟! , صاحبه الشعر الطويل و القميص الأبيض و الخطوات الثابته , عندما خرجت من سيارتها الحمراء كانت ترتدى قميص رمادى اللون و الخطوط البيضاء تشق طريقها بالطول جنبا إلى جنب و تهدى من سرعتها عند أول مطب طبيعى تقابله ثم تكمل طريقها إلى نهايه القميص و من أسفل ترتدى بنطال من القماش الأسود صمم خصيصا  من اجل أرجلها ولا يجب أن أنسى الكعب العالى و أسهامه بشكل سافل فى رسم هذه السيقان , شعرها طويل أسود به بريق و لمعان ملحوظ , لا يمكن أغفال عيناها السوداء , نعم هى من حلمت بها , أتت قبل اللقاء فى منامى تعلن عن دخولها حياتى , عزيزى عندما يتولى القدر زمام الأمور لا يستطيع أحد أن يفعل شئ !
التاسعه صباحا ...
   أستيقظت قهرا من نومى بسبب ألم ظهرى و موقف ليله أمس , قمت من سريري متخذ طريق الحمام ، دش سريع و تحديق لعده ثواني في المراه ، قبل أن أقوم بفتح النافذه نظرت من بين ضرافها هل جارتي المشتاقه واقفه تنشر غسيلها ام لا !
   عندما اطمئنت لعدم وقوفها ، فتحت النافذه داعيا الشمس علي فطار و كوب شاي و كعادتها لبت الدعوه ، واقفا أمام الثلاجه فاتحا بابها لا أفعل شئ كعاده أي مصري شريف ، أغلقتها و قمت بعمل شعريه سريعه التحضير , نور الشمس أحتل جزء من أرض المطبخ و جزء من وجهى , أمام الماء وقت حتى يغلى , قمت بوضع كيس التبغ أمامى و ورق البفره و فى طريقى للف عده سجائر !
   ملحوظه : لف السجائر يعلمك الصبر !
   بعد صب الماء أصبحت الشعريه جاهزه للأكل و فى أثناء لف السيجاره الثالثه سمعت صوت النوكيا يرن , من يتصل بى ؟! , (مى) فى عملها و (ايمان) تعلم أننى فى أجازه و من تريد قتلى لا تستعمل الهاتف , لماذا كل هذه الاسئله , يجب ان أتخلص من تلك العاده , ذهبت إلى غرفتى و أمسكت الهاتف و كانت المفاجأه , رقم من صدمت سيارتى ليله أمس , ضغط على زر الرد ثم ...
_ الو .
_ ايوه , انا (فريده) اللى خبطت عربيتك امبارح فى كمين المرور .
_ (فريده) , اه , ازيك يا فريده , انا (يوسف امين) .
_ (يوسف امين) بتاع الراديو ؟!
_ اه , بتاع الراديو .
_ ياااه , انا اسفه معرفتكش امبارح خالص , بس حسيت وقتها ان صوتك مش غريب عليه , انا صحيتك ولا حاجه ؟!
_ لا ابدا انا صاحى من نص ساعه تقريبا و غالبا دى اول مره تحصل , حظك حلو .
_ تمام , انا حاليا فى الشغل , هشوفك امتى عشان نتكلم فى اللى حصل ؟!
_ يا ستى محصلش حاجه , جت سليمه .
_ معلش يا (يوسف) , على الاقل نتكلم فى التلفيات و تصليح العربيه , انا بخلص شغل على الساعه اتنين , ممكن اشوفك فى "كوستا" اللى فى وسط البلد ؟!
_ الساعه اتنين , امممم اوك تمام , هبقى هناك فى المعاد .
_ اوك (يوسف) , باى .
_ مع السلامه .
   من شده حماستى لهذا اللقاء كدت أن أغلق الهاتف على اصبعى , أنتهت المكالمه و أنتهيت معها , دخولها فى حياتى أنجاز قدرى جديد و ربما تكون مجرد حدث عابر بعد ان ننتهى من موضوع تصليح السياره !
   (مى) أين هى الأن ؟! , لم تتصل منذ فتره , لا يهم فقط تعودت على ذلك منها , تختفى حتى تصفى و ترجع مره اخرى , وجودها فى حياتى أصبح ضروره لا يمكن الأستغناء عنها , كيف يعيش أدم بدون حواء و كيف أعيش من دون (مى) , لابد من وجود لمسه أنثويه داخل حياتى البائسه , أصبحنا أكثر من أصدقاء بعد أن تعرف كل منا على الأخر خلال حفل عيد ميلاد أحد الاصدقاء فى الأذاعه اما (ايمان) فمن مذيعين كل يوما نقدم برنامج مشترك إلى أن أصبحت رئيس تحرير الأذاعه و تغير كل شئ !
   أما من تريد قتلى , فبدأ ظهورها من بعد الحادثه و طوال الخمس سنوات تحاول أغتيالى و فى كل مره لا تفلح , لا أعرف من هى و لماذا تريد قتلى و كيف يحدث لى ذلك لكن ما اعرفه أننى رأيتها قبل ذلك فى الحقيقه , ربما قبل الحادثه لكن أين و من هى , لا أعرف !
   أرتديت ملابسى و خففت ذقنى و قمت بلف عده سجائر و داخل أول تاكسى وقف لى كنت أدخن واحده متجها الى وسط البلد , نزلت بشارع "الفلكى" المتقاطع مع شارع "محمد محمود" حيث يوجد "كوستا كافيه" !

    دخلت إلى المكان المتفق عليه , الأن أين أنتى ؟! , بحثت بنظرى بين الجالسين و على حسب ما أتذكر وجهها , ليست بين الموجودين , جلست على أحدى الطاولات الملاصقه للحائط و قلت للمتر ...
_ هو فى حد دخل الكافيه من شويه ؟!
_ لا يا فندم محدش دخل من حوالى نص ساعه , تحب تشرب ايه ؟!
_ قهوه زياده .
    لماذا لا تلتزم النساء بمواعيدها !
   أتت القهوه و أشعلت سيجاره فى صحه أنتظارها , بعد بضعه رشفات من الفنجان و فى منتصف السيجاره وجدتها قادمه , ترتدى قميص أبيض على جيب رماديه اللون , شعرها ملفوف إلى إعلى , بعد أن تفحصت الجميع وجدتنى أنظر إليها , خلال طريقها إلى الطاوله التى أجلس عليها كانت تتحدث فى هاتفها و قبل أن تجلس أنهت المكالمه , مدت يديها للسلام و خلال تلامس أصابعنا توقفت الحياه للحظات ثم عادت سريعه مره أخرى , جلست و طلبت قهوه مظبوط ...
_ اتأخرت عليك , صح .
_ لا ابدا انا لسه واصل من كام دقيقه كده , انتى عامله ايه من ليله امبارح ؟!
_ الحمدلله , كانت ليله صعبه , اليوم كله كان صعب بس عدت على خير .
_ الحمدلله , المهم انك تمام و بخير .
_ انت بقى (يوسف امين) بتاع الراديو ... قالتها و هى تبتسم .
_ ايوه , بس بقالى فتره مريح من الشغل , بجهز لبرنامج جديد .
_ اها انا كنت بسمع البرنامج بتاعك زمان , بجد كان وهمى , انت ليه وقفته ؟!
_ ظروف خاصه و ظروف فى الشغل , يعنى الدنيا كلها وقفت مره واحده و انتى بتشتغلى ايه و فين ؟!
_ انا يا سيدى شغاله فى مكتب اليونسكو اللى فى القاهرة هنا و مسئوله عن ملف المراه و الثقافه المتبادله .
_ الموضوع شكله كبير و انتى مبسوطه فى الشغل ده ؟!
_ اها المجال ممتع جدا , على طول سفر و مؤتمرات و بعثات , جو لذيذ , خلينا فى المهم , عربيتك حصل فيها حاجه , انا مكنتش مركزه ساعتها ؟!
_ بسيطه , جنب العربيه الشمال كله محتاج يتصلح , متشغليش بالك .
_ ازاى بس يا (يوسف) ده انا اللى خبط العربيه , كويس انك مكنتش فيها , قدرت تكاليف تصليح العربيه ؟!
_ لسه معرفش , بس العربيه بتمشى و ده فى حد ذاته شئ كويس ... قلتها بأبتسامه لتخفيف الامر عليها .
_ كل ده بسببى , انا اسفه , بس ياريت تقول ليا تصليحها هيتكلف كام عشان ادفعهم ليك .
_ طيب شوفى بقى , اولا انا مش بقبل العوض , ثانيا انتى مش هتدفعى حاجه قدام جت فى الحديد يبقى فى ستين داهيه , ثالثا الحادثه كانت فرصه سعيده عشان اتعرفت عليكى .
   احمرت خدودها و فلتت منها ابتسامه مع سماعها الجمله الاخيره من كلامى , ثم قالت ...
_ انت مصمم انى مدفعش تمن تصليح العربيه ؟!
_ اه ده امر مفروغ منه .
_ انت سجلت رقمى عندك صح ؟!
_ اه سجلته لما عرفت ان اسمك (فريده) و انتى بتكلمينى انهارده الصبح فى الموبيل .
_ تمام كده و انا كمان سجلت اسمك انهارده يا حضره المذيع المشهور .
   انتهى كل منا من شرب قهوته و قمنا حتى وصلت معها إلى سيارتها ...
_ كانت فرصه سعيده يا (فريده) و اتمنى تتكر تانى .
_ قريب انشاء الله , انت هتروح ازاى ؟!
_ هركب اى تاكسى يروحنى .
_ لا ميصحش , لازم اوصلك , يلا اركب , انت ساكن فين ؟!
_ فى مدينه نصر .
   كالعاده الطريق مزدحم و السيارات تكاد لا تتحرك و لأول مره لا ألعن الرئيس و حزبه , جالسا بجانبها , أراقب السيارات و الماره و أحيانا أخرى أراقب أنعكاس وجهها على زجاج السياره , ليست من أخلاقى الألتزام بقواعد المرور و لكن هذه المره طبقت قاعده "لا تتحدث الى السائق اثناء القياده" مكرها فاليس لدى ما أقوله لها !
   وصلنا إلى المنزل و شكرتها على التوصيله و على أغنيه فيروز الرقيقه و ودعتها متمنى لها يوما جميل و إلى قلبى ألا يتعلق بأمل جديد !