الأربعاء، 27 نوفمبر 2013

( 3 ) الهروب الكبير ! - شتاء 2014 - جزء 3


 
   مستلقى على جانبى الايمن بداخل غرفتى المتواضعه , سرير أتساع فرد واحد بجانب الحائط و طاوله بجانب رأسى موضوع عليها جهاز تسجيل كبير نوعا ما أستمع لمحطاته الاذاعيه المختلفه طوال الليل و فوقه نافذه تطل على الشارع و بالجهه الاخرى من الحائط دولاب ملابسى الصامت و فى وسط الغرفه سجاده متوسطه الحجم و شبشب دائما على خلاف مع فرده الاخرى !

   أصبحت كُل يوم أستيقظ من نومى قهرا و ليس كباقى البشر , هذا بخلاف الذهاب إلى الحمام أكثر من مره ليلا , اللعنه على الشتاء و على تلبيه نداء الطبيعه , اللعنه على الوحده و ما تفعله فى مرتديها , اليوم أستيقظت على صوت موسيقاها المنبعثه من شقتها المجاوره لى , أنها الثامنه صباحا موعد نسكافيه الصباح الخاص بها , الثامنه صباحا موعد أستعباطى لرؤيتها أثناء فتح نافذتى كمراهق يجلس تحت منزل معشوقته التى لا تعلم من هو و لكنه يحب الجلوس حتى يراها فقط متأملا جمالها و لكنها لم تكن واقفه كعادتها و لكن الموسيقى كانت تعمل و بصوت ملحوظ , دب القلق بداخلى ولا أعرف كيف خرجت مرتدى قميص مغلق نصف أزراره و بوكسر فوق الركبه لا يثير الرغبه و عينان لم تتأقلم بعد على ضوء النهار , أقتربت من باب شقتها و تركت باب شقتى مواربا تحسبا لهروب سريع قد أحتاج إليه , ألصقت أذنى بين الباب و القائم فى محاوله لسماع أى شئ , فقط صوت الموسيقى بوضوح ولا شئ أخر , أين هى الان ؟! , دائما كُنت أجدها فى معادها واقفه بشرفتها تحتسى مزاجها و تنفخ أنفاسها من صدرها الذى عُلق عليه يافطه ممنوع الاقتراب أو التصوير , هل أصابها مكروه ام تمضى بعض الوقت بداخل الحمام ؟! , الوحده تجعلك تركز فى تفاصيل أى شخص أشائت الظروف أن يكون بجانبك و هى ليست أى شخص أنها شئ يبعث بداخلك الامل و كفى !

   ما الذى أفعله ؟! , و لماذا كُل هذا الاهتمام بشخص لا أعرف عنه أى شئ ؟! , دب الحزن بداخلى دفعه واحده , أبتعدت عن باب شقتها منسحب إلى شقتى بعد ما سمعت صوت الاسانسير يُرفع للدور الذى أسكن به , أغلقت الباب خلفى بهدوء و نظرت من العين السحريه فوجدتها تقف أمام شقتى لثوان شعرت بأنفاسها و كأنها سوف تطرق الباب , كتمت أنفاسى و ساد صمت عميق حتى رفعت خُصله شعرها الحمراء خلف أذنها و لوت شفتيها علامه على تراجعها فى قرار أقتحام حياتى بشكل رسمى , أختفت من أمام العين السحريه و سمعت صوت باب شقتها يغلق على أصبعى , أبتعدت قليل للوراء و كسر الصمت صوت دقات قلبى المسرعه و العرق الذى تكون على جبهتى !

   على كنبتى المفضله ألقيت نفسى و ظللت أفكر , لن أذهب للعمل اليوم , فاليذهب مديرى إلى الجحيم هو و أوراقه و تسلطه و دخان سيجاره المزعج و مديره مكتبه الساقطه , بعد أجراء عده أتصالات لعمل لى أجازه هذا اليوم , قمت أترنح إلى النافذه لكى أشرب سيجاره هى الاولى منذ الصباح , مازالت غياهب النوم تسيطر على فأنا من النوع الذى يحتاج يوما كاملا لكى يفوق , خلال مسحى للشارع الذى أسكن به وجدتها تقف أمام سيارتها المركونه خلف سيارتى و ترتدى ملابس رسميه " بدله نسائى " و إيشارب برتقالى ملفوف حول رقبتها , ربما تعمل فى أحد البنوك المعرفه أو فى شركه من شركات الاتصالات الثلاثه , ألقيت سيجارتى من النافذه و قبل أن أهم فى أرتداء ملابسى لمراقبتها توقفت لثوانى , هل أبدو كأهبل يمثل فى فيلم تجارى أنتاج الثمنينات ؟! , كانت الاجابه نعم , فهى بالتأكيد تعرف سيارتى و سوف تلاحظ تتبعى لها !

  قتلت الوقت تحت أرجلى بين مشاهده التلفزيون و اعداد بعض الطعام و اللف داخل الشقه كنحله تعمل بأجتهاد , أبلغت مجموعه ال " يا " أننى لن أستطيع القدوم ليلا لمجالستهم تظبيط الطاسه , تقبلوا أعتذارى مع تحديد موعد جديد لتعويض التظبيط الفائت فأنت لن تكون مسرورا و أنت غير معتدل المزاج , كان هذا " يا " منهم يحدثنى فى الهاتف و هو أكثر شخص تأخذ منه الحكمه عملا بمقوله ( خُذوا الحكمه من أفواه ال يا ) !

   باقى شهران على الاحتفال بمرور سنه على بقائى فى القاهره , خلال تلك الفتره أنسحبت الاسكندريه من حياتى كأنسحاب المخدرات من الدم , لم أعد أتذكرها كما كان يحدث منذ وصولى , لم أزرها يوما و لم أُلبى دعوه من دعوات أصدقاء حبيبتى السابقه , الألم الذى تسببت فى الاسكندريه لى كان كفيلا بهجرها إلى أخر العمر !

   خلال مشاهدتى لأحد الافلام الوثائقيه , أستوقفنى كيف غرقت سفينه كسفينه " تيتانك " بكل هذا الحجم و روعه التصميم , كيف أستحمل ركابها غرقها و أستقرارها فى قاع المحيط , اكثر من ألف راكب لقى حدفهم غرقا , قطع بحثى فى الامر جرس الباب يعلن عن شخص بقف خلفه , لا يعرف احد عنوانى , ربما يكون البواب يحمل لى عملا و يلقيه علىِ من خلال طريقه كلامه الغير مفهومه , تركت " التيتانك " تغرق بسلام و قمت لفتح الباب حتى وجدتها تقف و عيناها تمسحنى من أسفل إلى أعلى .. توقف قلبى لثوان ثم بعد طرقه عده مرات عاد يعمل مره أخرى . لحظه تمنيتها منذ رؤيتها لاول مره بشرفتها و لكنى لم أعثر على لسانى للنطق بأى شئ .. فقط وافقت على دعوتها للعشاء ليلا !

الأحد، 24 نوفمبر 2013

( 2 ) الهروب الكبير ! - شتاء 2014 - جزء 2


 
   من سيتحدث عنها سوف يدفع غرامه عشره ألاف جنيه و حبس خمسه عشر عاما و تكسير صف أسانه السفلى و أصابته بالعديد من الكدمات فى جميع أنحاء جسده , لا تحاول أن تتكلم عنها أمامه فقد يخرم الاوزون مره أخرى بسببها , بمجرد نطق أسمها يقوم مسرعا ليفرغ ما بداخل معدته خلف سياره مركونه صف ثان منذ سنوات عانق عجلها الارض و سبح فيها و نمت من حولها الاعشاب الصغيره , هذا ما كان يعرفه مجموعه ال " يا " الذين تعرفت عليهم من خلال جلوسى المستمر على قهوه وسط البلد , سريعا أمتلكت قلوبهم و أصبحت صديقهم المقرب و المفضل و لكن لم يدخل أحدا منهم قلبى أو حياتى , ظل بينى و بينهم مسافه شهر من الزمن رغم أننى لو أمسكت مشرط و فتحت قلب أحدهم سوف أجدنى أدخن الشيشه بالداخل و لكن دائما و أبدا المشكله بى , أنا من لا يعرف أن يستريح للبشر سريعا , أنا من يبنى الحواجز و المسافات عمدا و بسبب و بدون سبب , أنا من يزال يتخذ الوحده و الموسيقى افضل صديق , أنا من أصبحت حياته كنتيجه معلقه على حائط يمتلئ بالشروخ يقطع منها كُل يوم ورقه مكتوب عليها حكمه و نصيحه لا أعمل بها , أنا من قرر و صدق على قراره بأنه لن يُدخل أحد حياته , أنا من ينظر إلى سيجارته كثيرا قبل أن يشعل النار بها , أحدثها و أطلب منها أن تغفر لى ما سوف أفعله بها , أنا من أنتقل إلى مكان جديد و أغلق خلفه باب لن يفتحه مره أخرى , حياتى أصبحت كتلفزيون الدوله سنه 1996 الفيلم العربى القديم على القناه الاولى الساعه الثانيه ظهرا و مسلسل السابعه مساءا على القناه الثانيه و نشره الاخبار فى تمام التاسعه و ينقطع الارسال بعد منتصف الليل !

   قطع سردى لحالتى المتوقفه منذ زمن حامل الماشه و راعى الاحجار الكريمه هنا فى القهوه و وهو يضع ولعه جديده بدلا من التى احترق بصدرى , شكرته بعد أن تمنى لى أنفاسا سعيده , ظللت أراقب مجموعه ال " يا " بعين ثابته و عقل فى مكان اخر و قلب توقف عن النبض منذ زمن , دعانى أكثر من " يا " منهم لمشاركه اللعب و لكن كئابه الشتاء كانت تمكنت منىِ !

   بالخارج كانت السماء تمطر , رؤيه القطرات على زجاج القهوه الخارجى ذكرنى بدموع الاسكندريه على زجاج سيارتى الامامى عندما تركتها , كيف حالها الان ؟! , هل مازالت تبكى ام جفت دموعها و نشفت طرقها و دب الجمال بها مره أخرى ؟! , هل أمواجها غاضبه تتلاطم على الشط أم بحرها مازال سعيدا بألوانه الزرقاء ؟! هل هناك أحد مازال يجلس على قهوتى المحببه إلى نفسى أم هجرها البعض ؟! هل شوارعها ممتله و مزدحمه كعادتها بقصص الحب و الغرام ؟! , هل تتذكرنى ؟!

   أنت لست فى حاجه لأجابه لأنك تعرف الرد جيدا , كان ذلك صوت رجل عجوز يستعد للقيام و الرحيل بعد أن حاسب على الشاى و أنفاس المعسل الذى هتك عرض صدره و أخرج أعتراضه على هيئه كحه شرخت حلقه و أصمت لها أذنى , نظرت لخطواته المتهالكه و رده على سؤالى الاحمق , هل تحدث بصوت عالى أم كان يجلس بداخلى و يسمع نحيبى على ما فات , هذه الليله لن تمر بسلام كباقى الليالى التى مضت على جسدى حضور حتى ساعات الصباح الاولى , توقفت عن زرف أنفاس الخوخ و أخرجت محفظتى و حاسبت على القهوه و الاحجار و سنين من العمر مضت , ألقيت السلام على " يا " و " يا " و طلبت منهم توصل سلامى ل " يا " الذى يلبى نداء الطبيعه بالحمام !

   لملمت نفسى و ركبت سيارتى منطلقا إلى شقتى , حييت البواب و لم أنتظر رده الملئ بالطلاسم الغير مفهومه , أمام باب شقتها المجاور لباب شقتى كُنت أقف , أسمع موسيقى لم أعرف لها يوما أسم و لكنها تبعث الهدوء و السلام بداخلى كما يفعل وجهها المتورد كُل يوم صباحا و هى تحتسى النسكافيه , لا أعرف من هى و لا مكان عملها , حتى لم نلتقى صدفه على السلم أو عند أخراج القمامه و لكنى أرها كُل يوم عندما أفتح نافذتى , وجودها كوجود شعاع من النور فى مكان مظلم , لا يكشف المكان و لكنه يبعث بداخلك الامل .. الامل هذا هو ما كُنت أحتاج إليه فى حياتى !

الاثنين، 18 نوفمبر 2013

ربما لم يجربوا الشيشه يوما ما !


   " كان يجى عندى عشر سنين و كنا سكنين فى البيت ده قبل مرات أبويا الله يرحمها ما تطردنا من الشقه , فكره اليوم ده كويس , صحيت من النوم قبل الفجريه , كُنا فى بؤنه , تقولش الشيطان صحانى , لقيت نفسى ماشى ناحيه البحر , كُنت سُخن , سُخن أوى , نار كانت طالعه من جوايا و تلمسها طالعه فى صدرى وجعانى , قعدت على الشط , الهوا كان واقف زى ما يكون غضب ربنا حل على الدنيا , غفلت , يعنى عينى راحت فى النوم , مدرتشى دقيقه كانت ولا ساعه لغايه ما صحيت , بردو الشيطان صحانى , لقيت قدامى أحلى منظر شوفته فى حياتى كلها , شوفت أنسيه , بنت مش عارف , يمكن وليه بتقلع هدومها و بترطش مياه على روحها و بتنزل البحر , قلبى أتخطف , بحلقت , كانت غلطتى أنى بحلقت , قعدت متاخد زى المسحور لغايه ما طلعت و بعد اسبوع , عشره ايام , راح النور "

   مشهد من فيلم الكيت كات لمحمود عبد العزيز

   قام الشيخ حُسنى هو وصحبته لصلاه الفجر بعد جلسه أجتمعوا فيها حول الحشيش و الجوزه و حكايه كيف أصبح أعمى منذ الصغر , أنزلت عينى من على جهاز التلفزيون ال LCD المعلق على حائط القهوه التى كُنت جالسا بها , أحتسى الشاى و بجانبى احجار المعسل التى أنتهى عمرها , جاء حامل الماشه و الراعى الرسمى لهذه الاحجار الكريمه بغيار جديد , أزال القديم و وضعه بجانب أخوته بالداخل و وضع الجديد مكانه و تمنى لى أنفاسا سعيده !

   حاله الجو تميل إلى الكئابه , السماء غير صافيه , ملبده بالغيوم و حابسه دموعها فى كبرياء حتى لا يظهر ضعفها أمام البشر , البشر الذين يحتاجون لمطرها لغسلهم و تطهير أرواحهم و قلوبهم , بحثت بعينى عن القمر فلم أجده , اللعين ذهب و تركنى وحدى جالسا أدخن الشيشه و أحرق ما تبقى من خضار بصدرى , الجميع من حولى مشغولون بما فى أيديهم , لا يوجد فرصه لكى يلتفت أحد منهم خارج حدود طاولته , يوجد من يجلس وحيدا يقرأ الجرائد و المجلات و يوجد من يلعبون الدمنو , الطاوله أو الشطرنج و يوجد من يدعون المذاكره و لكنهم يعبثون بأطراف أيدى بعض و هما فى الاغلب عاشقين , الاثنان يدخنان السجائر بشراهه و الابتسامه لا تفارق وجههم و أخيرا يوجد من يسرد لك ما يراه , يراقب الجميع فى صمت متخفيا وراء دخان أحجاره !

   و حياه امى التى مُستعد أن أفعل لها أى شئ حتى لا تتقدم فى السن لم أكن أعرف أن عند دخول شخص جديد بحياتك يجب أن تمضى على أقرار خروج هذا الشخص فى أى وقت و بأى شكل و أنهاء كُل شئ بدون أن تفتح فمك أو تعلن أعتراضك أو طلب أبداء أى أسباب , الموقف قانونى و كُل شئ صحيح , كمن يدخلون الكليات العسكريه يطلب من الاب الامضاء على أقرار يقول فى حاله توفى أو أصيب الطالب خلال فتره الدراسه , الكليه غير مسئوله عن أى شئ , هكذا دخول شخص حياتك , يعبث بها و يحرك الاشياء من أماكنها و ربما يطرطر فى ركن بعيد ثم يخرج كأن شئ لم يكن و فى نهايه الامر عليك أن تعيد ترتيب الفوضى و أزاله الخراء من كل مكان !

   لا يوجد علاقه خاليه من وجع القلب , حتى علاقتك مع حارس العقار الذى تسكن به و مدى المعناه التى تمر بها أثناء ألقائك السلام عليه ثم يرد عليك بلهجه كلها طلاسم غير مفهومه , ربما يسب لك المله بالغه البلد التى أتى منها و ربما يكون حقا يرد السلام , عندما تقوم بأتخاذ بعض القرارات أو الاقدام على شئ كى تفعله و يعلم الشخص الذى يسكن بداخلك هذه الاجراءات التى سوف تضايقه بكل تأكيد و تعمل على قله راحته , تبدأ هنا المشكله , مشكله فعل أشياء تقلل من راحته و تذهب راحتك أنت للجحيم , هل نعيش حياتنا للاسعاد الاخرين أم أسعاد أنفسنا اولا ؟! , هل نعمل على راحه الغير و نلقى بأنفسنا فى البحر ؟! , هل أنت مجبر على راحتهم ؟! , هل أنت مجبر على معرفتهم ؟! , ليت لهم اهميه فى حياتك كى تحسب لهم الاعتبار و تصون لهم العشره و لكن كُل منا يكذب على الاخر بشكل ما !

   بشكل ما لن يدعك الناس بحالك , بشكل ما يجب ان يضعوا لمستهم السحريه , بشكل ما سوف تأتى سيرتك بأبشع الصفات سواء فعلت شئ جيد أم شئ قبيح , بشكل ما سوف ينتقدونك , بشكل ما سيرفضون تفكيرك و يتهمونك بأنك غريب الاطوار لأنك فقط لا تفعل مثلهم , لأنك فقط لست نسخه مثلهم , لأنك فقط لا تمشى بداخل القطيع !

   صرفت الغضب من عينى و هدئت أنفاسى و أنطفئ حجر المعسل مما سمعه منىِ , يكفى هذا , لدى عالمى أذهب إليه كُل يوما مساءا , أقدى أوقاتا سعيده بصحبه أناس لم يقعوا فى الاختبار , من رحلوا لم يكن نفسهم طويلا , ربما لم يجربوا الشيشه يوما ما !

الجمعة، 15 نوفمبر 2013

( 1 ) الهروب الكبير ! - شتاء 2014 - جزء 1



 
   على موسيقى تشايكوفسكي فى مقطوعه " Valse Sentimentale " , أخذت أهم قرار فى حياتى البائسه .. الهروب , تغير المكان , أستبدال الاشخاص و الشوارع و الجدران . السير على ارض جديده , أستنشاق عوادم سيارات مختلفه , رؤيه سماء مختلفه و الاطمئنان على حال القمر فى غربته , عاده أندم على القرارات التى أتخذها بشكل متهور و سريع بجانب العامل النفسى الذى يُسهم بشكل رئيسى فى فشخى يوميا بلا رحمه , و لكن هذه المره مختلفه , فقد فاض الكيل بى و أمتلئ الشوال عن بكره أبيه - شوال طاقتى - التى أستنفذت كلها فى أشياء لا تخصنى ولا سوف تصبح لى يوما من الايام , الاسكندريه بشكل ما أصبحت حزينه و كئيبه , او ربما ظالمها بعض الشئ و يكون السبب فى أن حزنى و كائبتى بهتت على شارع ابى قير و الكورنيش و الترام و أسلاكه و مشاريعها البيضاء و التاكسى الاسمر فى برتقالى و احيانا اصفر و قهوتى المحببه إلى نفسى , سوف أفتقدها أكثر من اى شئ أخر و على رائى الفنان " محمد شرف " فى دور " نسيم " بفيلم " أسف على الازعاج " ل " أحمد حلمى " : القهوه دى بتحتوى البنى أدم !

   أنتهت مقطوعه تشايكوفسكى مع أنتهاء حزم أمتعتى , دقائق و كُنت داخل سيارتى أودع الاسكندريه و دموعها تنهمر على الزجاج الامامى , حزنك اليوم يا حيبتى لا يقارن بحزنى ولا بمدى عبوس وجهى لفراقك , سوف أفتقدك و أفتقد السير بشوارعك و الاستمتاع برؤيه البحر سعيدا بالوانه الزرقاء , سوف أفتقد قصص العشق و الغرام التى وقعت بها و نال الاصدقاء جزء كبير منها , فلا يوجد أحدا كبير على الحب يا صغيرتى , يكاد ينفجر القلب لفراقك و لكنى لم أعد أقوى على الاحتمال , فكل شئ جميل بكى بالنسبه لى أنتهى , مسببات الحياه أختفت و رحلت , كُل الاشياء أصبحت ذكرى , فجأه توقفت الحياه منذ فتره , أيقنت عدم حدوث أى شئ جديد , أيقنت أننى يجب أن أذهب من هنا , أنتى جميله , أنتى رقيقه و لكننى يجب أن أرحل .. وداعا يا عروس البحر الابيض المتوسط !

   ألقيت نظرتى الاخيره و أنا على بدايه الطريق الصحراوى حتى انطلقت بكل سرعتى و أبتلعنى الظلام متجها إلى قاهره المعز , طوال الطريق أستمع إلى أغنيه " أهو ده اللى صار " بصوت " محمد المغربى " , لا أعلم من هو و لكن لحن الاغنيه جذبنى بطريقه رهيبه , ما يمثلنى فى هذه الاغنيه هو أسمها " أهو ده اللى صار " , ليس لدى يد فى ما حدث لى مؤخرا أو ما حدث خلال سنوات مضت من العمر و لم تمضى من الذاكره , عندما تسألنى لماذا ؟! , لا أجيب فقط أرفع كتفى و تتدلى شفتى السفله بكل براءه .. فأنا حقا أجهل السبب !

   أمام المنزل كُنت أقف و مازال محرك السياره يعمل , أفكر بجديه فى العوده مره أخرى و لكن خلال تفكيرى سمعت صوت شئ يُكسر و رائحه دخان , هناك حريقه , نعم أنها أسلاك رأسى حرقت كلها من كثره التفكير و صوت الكسر هو صوت عدم رجوعى مره أخرى إلى حبيبتى , قُلت و قال ضميرى فى نفس الوقت : ابدأ حياتك من جديد مازال هناك فرصه , هززت رأسى موافقا على كلامى و كلامه و نزلت من السياره و أخذت كُل ما أتيت به من هناك و صعدت إلى الشقه التى سوف أقضى بها فتره لا تقل و لا تزيد عن , لم أضع توقيتا محددا لرجوعى , مازال عندك أمل يا أحمق تعود إليها , كان هذا صوت ضميرى , اللعين مستيقظ دائما !

   داخل غرفتى أرتميت كمصارع فى جولته الاخيره , منهكا جسديا و مفشوخ نفسيا و ملعون من ألهه الاسكندر , ذهبت فى النوم سريعا بملابسى التى أتيت بها , لم أفرغ الحقائب و لم أرتب أى شئ بالشقه , أندمجت مع الاتربه و خيوط العناكب و الهواء المكتوم و رقدت بسلام , حقا تطيب الحياه لم لا يبالى !

   صباح الخرا يا قاهره .. استيقطت من نومى و صدرى ممتلئ بالتراب من ليله أمس , مددت يدى داخل جيب البنطال الذى أرتدى و أخرجت الهاتف كالعاده لم يتصل احد , لم يشعر احد أننى تركت حبيبتى , رميت الهاتف و حاولت القيام و لكن شئ ما يمنعنى , خيوط العناكب تكفنى بشكل جيد ولا الفراعنه فى زمنهم , بعد العديد من المحاولات الدبلوماسيه , أستطعت أن أقوم من على السرير , نور الصباح يخترق الشبابيك و النوافذ مكون خيوط متتاليه على ارضيه الغرفه الخشب و بداخلها تتراقض الاتربه , ظللت أترنح حتى وصلت إلى الحمام , اخذت دش سريع و أستبدلت ملابسى و فتحت جميع نوافذ و شبابيك الشقه , حتى وجدتها تقف بنافذه الشقه التى بجانبى تحتسى نسكافيه الصباح و تنظر إلى الغريب الذى أعاد فتح شقته مره اخرى .. هل أبتسمت أم خيوط العناكب مزالت على عينى ؟!