الأربعاء، 18 نوفمبر 2015

( 14 ) الهروب الكبير ! - شتاء 2014 - جزء 8



شتاء 2014
   ذلك اليوم الذى قُمت بزيارته فيه , شعرت اننى كان يجب ان اظل بجانبه وقت أطول , أحسست أننى افتقدة رغم وجودى معه منذ ساعات , شئ ما أيقظنى من نومى , الرابعه فجراً , شعور سئ أحتلنى و جعلنى اتنفس بصعوبه , دموعى بدأت تسيل , اشعر بقلق و خوف لم اشعر بهم من قبل , قُمت من فراشى و أرتديت قميصاً يسترنى حتى خصرى , أخذت مفاتيح شقته و أتجهت إليها , جلست بداخلها و انا اضم أرجلى حتى نهدي , أتأرجح كمن ينتظر خبراً سئ , لم تتوقف دموعى من الانهمار حتى سمعت صوت هاتفى يرن , فى ذلك الوقت , الامر لا يبشر بخير , ذلك رقم الدكتور المتابع لحاله (يوسف) , ترددت لثوانى قبل ان اجيب , قلبى يكاد ان يشق صدرى من القلق و الخوف , مسحت دموعى و استجمعت ما تبقى من شجاعه بداخلى و ضغطت على زر الرد ...
_ ألو
_ استاذه (صبا) معايا ؟
_ ايوه يا دكتور , انا معاك , (يوسف) حصل له حاجه ؟
   قُلتها بحنجره مدبوحه و صوت يريد البكاء , كأننى اعلم مسبقاً ما سوف يقوله لى ...
_ البقيه فى حياتك
لم يكمل جملته حتى أنهرت فى البكاء كأننى كًنت فقط اريد ان يعطينى احد الاذن ...
_ شدى حيلك , ياريت حضرتك تكونى موجوده الصبح الساعه تسعه عشان نخلص الاجراءات , البقيه فى حياتك مره تانيه
   اغلق الرجل الخط و تركنى وسط حزنى و دموعى و صدمتى التى لا استطيع استيعابها , فجأه رحل ذلك الغريب الذى كان يسكن بجوارى , يراقبنى كلما سنحت له الفرصه , يريدنى بجانبه و لكن وحدته طغيت عليه , انا كُنت له النور الذى يضئ ظلمته و هو كان لى حياه جديده .. حياه لم تبدأ , كُنت أراقبه مثلما كان يراقبنى , أقف خلف باب شقته , أريد أقتحام حياته الهادئه , كُنت أشعر بمدى حزنه و عبوس وجه , قله حديثه و صمته المطبق , شقته التى لا يزوره بها أحد , هروبه من شئ ما , لم تكن حياته مثل اى شخص اخر , كان يخفى سراً , سر كبير , تركنى لوحدتى مره اخرى , تركنى لحالى استمع إلى موسيقتى و ألحانى بعد ان دب الامل بداخلى و كأنه لم يكن له وجود !

التاسعه صباحا ...
مستشفى السلام الدولى ...
   مر الوقت علىِ كأنه زمن لا ينتهى , منذ سماعى لخبر وفاته حتى موعدى بالمستشفى لكى اقوم بأنهاء الاجراءات و استخراج شهاده الوفاه , أرتديت ملابس سوداء و نظارتى الشمسيه و أنطلق إلى المستشفى لا أدرى بنفسى و لا أستطيع التحكم بدموعى المنهمره منذ سماعى لما حدث , وصلت إلى شارع كورنيش النيل بالمعادى حيث تقع المستشفى , دقائق معدوده و كنت مع الطبيب الذى كان متابعا لحاله (يوسف) , بدى القلق و الحيره و الاضطراب على وجه عندما رأنى , كأنه لا يعلم ماذا يقول , المعتاد فى هذه المواقف هو هو المعتاد كما يحدث بالافلام التى نشاهدها , يأتى بكل برود و يقول جملتين تعود عليهم و ينتهى الامر بعد ذلك و لكن وجه يقول غير ذلك ...

_ استاذه (صبا) , أزى حضرتك ؟ , البقيه فى حياتك , ممكن نروح على مكتب مدير المستشفى
   لم أتمكن من الرد أو الاستفسار عن سبب أرتباكه ...
_ طيب هو أحنا هنروح ليه على مكتب مدير المستشفى ؟ , هو مش المفروض ان هنعمل الاجراءات دلوقتى زى ما قُلت ليا فى التيلفون ؟!
   لم يهتم بالرد على ما أقوله و ظل مستمراً فى سيره و العرق ينهمر من جبينه حتى توقف لثوان ...
_ انا معنديش اى حاجه اقولها ليكى فى الوقت الحالى او مش مسموح ليا انى اتكلم , هتعرفى كل حاجه لما نوصل لمكتب المدير , خلاص قربنا نوصل
   ثم اكمل سيره بخطوات أسرع مما كان يخطوها قبل سؤالى له , أشعر أنه يخفى علىِ شئ , هل يوجد أسوء مما حدث ؟ , هل يوجد أسوء من موت (يوسف) ؟ , عبرنا كوريدور يفصل بين مبنيين حتى وصلنا إلى مكتب المدير و قبل أن ندخل , قام الطبيب الذى يصتحبنى بهندمه ملابسه و مسح عرقه من على وجه و جبيه و بعد نفس عميق أطرق باب المكتب ثم دخلنا , اعتقد ان بها احد و لكنها فارغة , الغرفه مساحتها كبيره نوعا ما , الحائط المقابل لباب الغرفه ملئ بشهادات كثيره و باقى الحوائط الثلاثه واحده تحمل تكيف صغير و اخرى بها نافذه تطل على الشارع و اخرى عليها صور لمبنى المستشفى , أنزلت نظارتى السوداء من على وجهى ثم نظرت إلى لوحه معدنيه موضوعه على المكتب مكتوب عليها (دكتور محمد السيد) المدير الطبى و رئيس وحده العنايه المركزه , جلست و وضعت شنطتى امامى فى أنتظار مدير المستشفى , ثم أنصرف الطبيب الذى معى متعللاً بمتابعه حاله كانت معه , ظللت منتظره عده دقائق حتى أتى شاب و قدم لى عصير ليمون لتهدئه أعصابى التى فقدتها منذ عده ساعات , لا أشعر برغبه فى أى شئ ولا حتى الشرب , بدأ القلق يسيطر علىِ لا أعلم لماذا لم يأتى أحد حتى الان لكى يخبرنى ماذا يحدث ؟ و لماذا انا جالسه هنا ؟ , خلال شرودى دخل رجل فى العقد الخامس يرتدى قميص ابيض و رابطه عنق زرقاء و بنطال اسود و حذاء كلاسيكي , طويل بعض الشئ و لديه شارب خفيف , نظر إلى ثم أبتسم تخفيفاً للامر , ثم قال بعد أن جلس أمامى ...
_ دكتور (أيمن) مدير المستشفى
_ (صبا) صديقه و جاره (يوسف) الله يرحمه , هو فى ايه يا دكتور ؟ , انا مش فاهمه حاجه !
_ هتعرفى كل حاجه بس الاول دكتور (محمد) يوصل
   أزدادت حيرتى و قلقى و بدأت أشعر بأن هناك شئ يحاولون أخفاءه علىِ , عادت دموعى مره أخرى فى الانهمار و بدأ التوتر يحتل جسدى و يفقدنى أعصابى , قدمى تهتز فى عنف و اصابعى تطرق المكتب فى سرعه حتى دخل علينا رجل لا يختلف كثيرا عن من يجلس أمامى الان و لكنه يرتدى بلطو المستشفى الابيض و يضع سماعه الكشف حول رقبته , أقترب منىِ و قدم واجب العزاء و جلس على مكتبه ثم أفتتح الكلام الدكتور (أيمن) ...
_ أستاذه (صبا) صديقه و جاره (يوسف)
   رد دكتور (محمد) قائلا : الله يرحمه , بصوت خافت ثم نظر إلى و قال ...
_ البقاء لله يا استاذه (صبا) , احب اعرفك فى الاول بنفسى , دكتور (محمد السيد) المدير الطبى و رئيس وحده العنايه المركزه و كنت المتابع لحاله (يوسف) الفتره الاخيره قبل وفاته , فى حاجات كتير لازم تعرفيها بس فى الاول لازم اقولك ان احنا مش لاقين جثه (يوسف) ... ثم صمت !
   توقف بداخلى كل شئ , قلقى و توترى و حزنى , توقفت قدمى عن الاهتزاز و شلت يدى , ما قاله لا أستوعبه , أغلقت فمى من الصدمه و أغمضت عينى لثوانى ثم فتحتها مره أخرى , أحساس "جردل" الماء البارد الذى ألقى علىِ مازال مسيطر , ثم أكمل ...
_ انا مش عارف أزاى ده حصل , الجثه ملهاش اى وجود فى المستشفى , دكتور (أيمن) بنفسه بيحقق فى الموضوع , احنا بلغنا الشرطه لكن ردهم كان غير متوقع ان (يوسف) مش مقيد ولا مسجل فى سجل مدنى للدوله , بمعنى تانى ملوش بطاقه او اى ورقه رسميه , يعنى ملوش وجود من اصله ...
   قاطعته بعصبيه قائله ...
_ يعنى الكلام ده , انا لما جبت (يوسف) هنا كانت معايا البطاقه الشخصيه بتاعته و سلمتها فى الاستقبال , ازاى ملوش وجود ؟
_ حتى البطاقه بتاعته مش موجوده فى الاستقبال , مفيش اى ورق يخصه عندنا فى المستشفى , كل حاجه أختفت زى ما احنا مش لاقين جثته , ده حتى الورق اللى يخص المستشفى , الاشعه و التحاليل و المتابعه , كل ده اختفى !
   لا أشعر بشئ , لا أستطيع التحمل , لماذا كل هذا يا ربى ؟ , حرقه قلبى عليه لا توصف , أشعر بضيق شديد , قام دكتور (أيمن) بتقديم الليمون لى لكى اهدئ نفسى , أخذت رشفتين و لم أستطع أن أكمل ثم أكمل دكتور (محمد) قائلا ...
_ انا عايز اقولك على حاجه , (يوسف) مش أول مره يدخل عندنا المستشفى , على ما افتكر (يوسف) جى قبل كده فى حادثه عربيه جامده اوى من حوالى تسع سنين فى بدايه 2005 , كان معاه والده و ولدته بس ماتو فى الحادثه و هو الوحيد اللى عاش , (يوسف) الحادثه عملت له فقدان فى الذاكره , بقى مش فاكر أى حاجه من بعد الحادثه ولا حتى أبو و أمه اللى ماتوا , بجانب فقدان الذاكره , ظهره اتكسر فى اخر فقرتين و على ما افتكر بردو كان عنده شرخ فى الحوض و كسور فى الدراع و الرجلين , كان مدمر بمعنى الكلمه , الغريب فى الموضوع أنه اول ما دخل المستشفى مكناش نعرف عنه اى حاجه لا اسم ولا عنوان ولا حتى بطاقه , كان جى على النقاله و هدومه مليانه دم و مفهاش لا فلوس ولا ورق يعرفنا عنه اى حاجه , فضل فى المستشفى سنه كامله من بين غيبوبه و عمليات و علاج طبيعى , طول السنه دى محدش سأل عليه خالص , مفيش حد زاره ولا مره , اللى كان متابع معاه دكتور (سلوى عبدالحميد) أخصائى العلاج الطبيعى وقتها ...
   قاطعته متسائله ...
_ طيب و هى موجوده هنا ؟
_ لا هى فى فرع المستشفى اللى فى الكويت حاليا و هترجع الشهر اللى جى , قبل ما (يوسف) يطلع من المستشفى لقينا حسابه كله مدفوع , حساب السنه من عمليات و اقامه و غيره كله مدفوع و لقينا فى الاستقبال ظرف ابيض و عليه ورقه مكتوب فيها "يُسلم إلى نزيل غرفه رقم 53" نفس رقم الاوضه اللى نزل فيها (يوسف) المره دى , المهم هو كان مكتوب له خروج فى اليوم ده و كان بيجهز نفسه و حاجته عشان يخرج بس لسبب احنا معرفوش لحد دلوقتى اغمى عليه ففضل يوم كمان تحت الملاحظه ...
   قاطعته ثانيه و انا فى قمه زهولى و صدمتى و حزنى ...
_ طيب هو اغمى عليه ليه ؟
_ مش عارف بس سبب الاغماء صدمه , انا و الدكاتره اللى كانوا معايا لقينا الظرف الابيض و فيه بطاقه شخصيه بأسم (يوسف) و لقينا مفتاح عادى و مفتاح عربيه و رخصه سواقه و رخصه عربيه و فيزا , ساعتها عرفنا ان اسمه (يوسف)
   أحاول العثور على لسانى لكى أقول أى شئ لكن هذا اليوم يحمل مفاجأت أكثر من اللازم , أرحت ظهرى و وضعت يدى على جبينى و أحاول الحفاظ على ما تبقى بداخلى من قوى و دموعى تسقط الواحده تلو الاخرى ...
_ ايه سبب الوفاه يا دكتور ؟
   تنهد الرجل و اراح يده ثم قال ...
_ (يوسف) كان كويس لحد بعد الزياره بتعتك له , لكن بعدها قال للممرضه انه تعبان و مش قادر ينام , الممرضه راحت ادت له حقنه مهدئه و بعدها بفتره بدأ يتشنج و جسمه يتنفض بطريقه غريبه جدا , سرعه ضربات قلبه زادت بطريقه جنونيه و فجأه لقينا دم كتير بيسيل من جسمه كأن حد ضربه بسكينه , عينه كانت بدور بطريقه غريبه كأنه شايف حد غيرنا فى الاوضه , قلبه وقف مره واحده لكن جسمه كان لسه بيتشنج , عملت له انعاش مرتين لكن فى التالته سكت مره واحده و كانت ساعه الوفاه 10 : 4 الفجر , موت (يوسف) غريب جدا و لحد دلوقتى مش لاقى تفسير للطعنات اللى كانت فى جسمه
_ انا مش قادره أصدق كل ده , خلاص مش قادره أستحمل , مش قادره بجد
   ثم أنهرت فى البكاء ...
_ انا اسف يا استاذه (صبا) بس ده اللى حصل و بجد مفيش فى ادينا حاجه نعملها و اختفاء الاوراق و الجثه ملوش تفسير
_ طيب و الحل ؟
   هنا تحدث دكتور (أيمن) ...
_ مفيش حل , كأن شئ لم يكن
سألته بأنفعال ...
_ يعنى ايه ؟
_ يعنى (يوسف) مدخلش المستشفى اصلا
_ ............
   ثم أكمل ...
_ مفيش جثه ولا أثبات أن (يوسف) له بطاقه او اى حاجه تثبت ان الراجل ده كان موجود على قيد الحياه
_ انتوا عارفين انه دخل المستشفى
_ و الحكومه بتقول ان مفيش وجود له و كمان ورق المستشفى اختفى , مفيش اكتر من ان مفيش جثه
   تدخل دكتور (محمد) منهيا الحديث ...
_ احنا اسفين يا استاذه (صبا) , زى ما دكتور (ايمن) قال كأن شئ لم يكن .

الأحد، 15 نوفمبر 2015

( 13 ) الهروب الكبير ! - شتاء 2005 - جزء 2



بعد مرور سنه ...
غرفه رقم 53 ...
   عاما كاملا داخل المستشفى , شهرين غائب عن الوعى , خمسه أشهر غارقا فى الجبس و الكسور و الخياطات , خمسه أشهر أخرى علاج طبيعى و تأهيل نفسى .
   اليوم هو تذكره خروجى من المستشفى و لكن إلى إين ؟! , لا أعرف عنوان لبيت كُنت أسكن به ولا أعرف صديق أذهب إليه ولا حتى قريب أستنجد به , كل هذه أسئله تدور برأسى , بينما أقوم بتصفيف شعرى نظرت إلى المرأه , حقاً أنا لا أعرف من الذى يوجد أمامى , تغير شكلى تماماً بعد الحادثه , لم أعد أمت بصله لشكلى منذ سنه فاتت !
   الأهم من كل هذا , كيف سأدفع مصاريف المستشفى ؟! , و كيف لم يطالبونى بها طوال هذه المده ؟! و بأسم من سوف تكتب الفواتير و بأسم من سأمضى فى حياتى القادمه .. أنا أنتهيت على كل حال !
   خلال التفكير فى هذه المأساه , بدأ الطرق على باب الغرفه ...
_ أدخل !
   كانت الممرضه و تحمل بيديها ظرف ابيض ...
_ الظرف الابيض ده مبعوت لحضرتك .
_ من مين ؟!
_ معرفش , الاستقبال تحت قالى طلعى الظرف ده لأوضه 53 !
_ طيب , شكرا !
   رحلت الممرضه و أغلقت الباب خلفها , ظرف أبيض لغرفه 53 , من سيرسل لى ظرف بعد مرور سنه كامله منذ حدوث الحادثه , الظرف لا يوجد عليه أى كتابه أو أسم مرسل أو عنوان أو حتى رقم غرفتى !
   بدأت فى فتح الظرف و معه بدأت دقات قلبى فى الاسراع , أفرغت محتوياته على السرير بجانبى حيث وجدت ...
بطاقه رقم قومى بأسم : (يوسف أمين منصور) – الوظيفه : مذيع راديو – الحاله : أعزب !
باسبور للسفر للخارج بنفس الاسم و بنفس المعلومات !
رخصه قياده و رخصه سياره موديل حديث , اسود ميتالك !
عقد ملكيه السياره و عقد ملكيه شقه تقع فى مدينه نصر !
فيزا !
سلسله مفاتيح يوجد بها مفتاحين , احدهم مفتاح السياره !
   ما هذه الاشياء ؟! , صورتى على البطاقه و لكن أسم من هذا ؟! , لم أعد أستطيع الاحتمال أكثر من ذلك . أشعر بصداع سوف يدمرنى , أنا , أنا ...
_ استاذ (يوسف) , استاذ (يوسف) !
   بدأت أفتح عينى رويداً رويداً حتى وجدت دكتور و ممرضه بجانبه و يمسك بيده كشاف صغير يسلط ضوءه  داخل عينى ...
_ استاذ (يوسف) انت كويس ؟!
_ (يوسف) مين ؟! , هو حصل ايه ؟!
_ انت اغمى عليك مره واحده , حمدلله على السلامه , انت كان مكتوب ليك خروج انهارده , هتقعد معانا لحد باليل بس عشان نطمن عليك و كويس ان احنا عرفنا ان اسمك (يوسف) بعد كل المده دى , حمدلله على سلامتك .
_ الله يسلمك , الله يسلمك .
   خرج الدكتور و خلفه الممرضه و تركونى غارقا فى أسئلتى التى لا تنتهى , (يوسف) مين ؟! , نظرت بجانبى , وجدت الظرف الابيض موضوعاً على طاوله الأكل , ليس مره أخرى , قمت و فتحته و وجدت به نفس الأشياء التى وجدتها أول مره , إذا الأمر ليس تخيلات أو هلوسه , الأمر حقيقى !

   أنقضى اليوم سريعاً و اتى المساء يحمل السُحب المتزاحمه فى السماء , حالة من الذهول و الصدمة مازلت مسيطره علىِ , اقتربت من نافذة الغرفة و استنشقت بعض الهواء البارد , اريد ان اغمض عينى و عند فتحها اعود إلى ما كُنت عليه منذ عام مضى , قبل الحادثة , قبل ان افقد كُل شى , قبل ان افقد نفسى و اتحول إلى لا شئ , فعلاً انا لا شئ , حتى ليله امس كُنت مجهول الهوية لا اعرف من انا , اما الان فكل شئ اختلف !

   رويداً رويداً بدأت انتبه إلى صوت دقات عقرب ساعة يدي و معها دخلت (وفاء) من فريق تمريض المستشفى و التى كانت متابعة لحالتى فى الاربع شهور الاخيرة ...

_ انا افتكرتك مشيت .

_ ازيك يا (وفاء) ؟ , عملتى ايه مع عدوتك اللدودة ؟

_ بلا نيله افتكر حاجه عدله , انت كويس ؟

_ انتى شايفه ايه ؟

_ عينى عليك بارده , واقف زى الاسد , بس انا اقصد مش هتحتاج حاجه ؟ , هتعمل ايه بعد ما تخرج ؟ , ده انت يا حبه عينى محدش سأل فيك من ساعه ما جيت هنا .

_ لا من الناحيه دى متقلقيش , انا عارف رايح فين , اول مره اعرف انا رايح فين .

_ طيب ليه مكشر كده ؟ , ايه مش مبسوط انك هتخرج من هنا ؟ , ولا انت اتعودت علينا خلاص ؟

_ و الله يا (وفاء) انتى من الناس اللى مش هعرف انساها بسرعه , كفايا خفه دمك و حوراتك مع الريسه .

_ الريسه ! , دى زمنها بتمر و انا مش ناقصه , انت فاهم دى عدوتى اللدودة , اشوفك على خير يا استاذ (يوسف) .

_ سلام يا (وفاء) .

   خارج المستشفى كُنت داخل تاكسى ذاهباً إلى حياتى الجديدة المبهمه ...