السبت، 28 ديسمبر 2013

( 7 ) الهروب الكبير ! - شتاء 2014 - جزء 7


غرفه 53 ...
  
   بعد أستقرار حالتى تم نقلى إلى غرفه بسيطه متساويه الابعاد , حوائطها مطليه بالون الابيض و بها نافذه تطل على الشارع الرئيسى للمستشفى فوقها لوحه لمنظر طبيعى يشعرك بالكئابه و الضياع و بالمقابل يوجد باب الغرفه و بجانبه باب أخر لحمام صغير و يوجد بالمنتصف السرير الذى أرقد عليه و ساعه معلقه على الحائط المقابل لى تزعجنى دقات عقاربها السامه , مازال جهاز القلب موضوع بجانبى يرسم خطوطا منتظمه الايقاع و أسلاكه تمر فوق صدرى و محلول يشق طريقه بين أوردتى بدون أستيحاء , ظل كلام الطبيبه يدور داخل رأسى كطائره تستنفذ وقودها من أجل هبوط أضطرارى "مجهود عنيف , جسمك مقدرش يستحمله" , كُل ما أتذكره وقوعى بداخل غرفه نومى و النافذه التى كانت مفتوحه عن أخرها و المطر الذى أغرقنى و ذهابى إلى الحمام و أفراغ ما بمعدتى و شعورى وقتها بألم رهيب ثم أظلم كُل شئ , لا أقوى على تذكر أى أحداث أكثر من ذلك , مازال الصداع مستمر منذ ليله أمس حتى الان , خلال متابعتى لصوت دقات عقارب الساعه التى أمام , فتح باب الغرفه ممرضه بدينه سألتنى عن حالتى الان :

_ عامل أيه أنهارده ؟
_ تعبان جدا و الصداع هيفرتك دماغى , مش عارف أنام ساعتين على بعض

   أمنت على كلامى بهزه بسيطه من رأسها و نظرت إلى جهاز رسم القلب لعدد من الثوانى ثم قامت بعدها بقياس ضغطى و النبض , بعدها تركتنى بالغرفه ثم عادت بعد وقت قليل ممسكه بيديها حقنه قامت بتفريغ ما تحتوىِ بداخل المحلول المعلق بيدى ثم قالت :

_ ده مهدئ هيخليك تعرف تنام
_ شكرا

   أنسابت مفاصلى دفعه واحده و شعرت أن رأسى أنفصلت عن جسدى و أنى أصبحت حرا طليقا , بهدوء أنسابت جفونى و أستسلمت إلى غياهب النوم بدون مقاومه , لا أعلم هل تركتنى الممرضه قبل أن أذهب أم راقبت المشهد .. اللعنه على المؤخرات الكبيره !

   المشهد أمامى كصوره تبث بتلفزيون ماركه تليمصر أنتاج الثمنينات مزود بأريل يأتى بالقناه الاولى و الثانيه فقط , صوره غير ثابته , مشوشه و بها الكثير من النغمشه , أرى الغرفه التى بها من خلال تلك الصوره الغير واضحه , أرى نفسى كأننى مستيقظ و فى كامل نشاطى و عقلى فى كامل تركيزه كمن نام عشره سنوات , عقارب الساعه المعلقه على الحائط أمامى غير موجوده , أراها عقارب حقيقيه تتمشى على الحائط فى دوائر عكس أتجاه سيرها داخل الساعه , بدأت الصوره ببطئ تسئ أكثر فأكثر حتى أصبحت الرؤيه معدومه , أنقطع البث نهائيا , أصبحت لا أرى الغرفه ولا أرى جسدى , ظل وش قطع البث مستمر لفتره حتى شعرت بسخونه رياح جعلتنى أتذكر سريعا المكان المظلم الذى كُنت محبوسا به و لكنى هذه المره كُنت أرى جسدى ملقى حدفه على تلك الارض الخشنه , ساكن لا يتحرك و بجانبه بقعه دماء لونها أغمق من ظلمه المكان , أنتابتنى قشعره أنتفض لها جسدى لرؤيه جسدى ميتا فى ذلك المكان الموحش , عقلى متوقف عن التفكير كأن أحدهم عبث بأسلاك رأسى , فقط المشاهد تعرض أمامى بدون تدخل منىِ فى أى شئ , عاد البث مره أخرى سئ لفتره ظللت فيها مفتوح العينين لا أراديا أحملق بذلك الوش المستمر حتى أغمضت عينى بغته و أنسحبت بعنف داخليا .. داخل نفسى !

   صوت تلاطم الامواج الخفيف جعلنى أستيقظ , ببطئ فتحت عينى و لاحظت أشعه الشمس تحاول ممارسه الرزيله معاها , أغلقتها سريعا و أعتدلت فى جلستى فالرمال ساخنه , بعد أن فتحت عينى و أغلقتها عدت مرات واجهت أشعه الشمس و هذا المكان , البحر بألوانه الزرقاء و النخل مُصتف عاليا , الهواء لطيف يداعب خصلات شعرى , أثناء إزاله حبات الرمال من علىِ أدركت أننى سوف أقابل السيده الافريقيه ذات الخمسين عاما , فهذا جسدى متناسق الاكتاف و الصدر و الازرع و البطن المقسمه التى منحتنى أياه , على مرمى السُحب المتراميه فى السماء وجدت البيت الخشبى الذى كُنت به من قبل , هذه المره أرتدى بنطال فقط , أفضل من لا شئ , أخذت طريقى إلى ذلك البيت و الرمال تبث سخونتها بأسفل قدمى حتى وصلت , صعدت سلمتين ثم دلفت إلى الداخل فالباب كان مواربا , الغرفه كما هى منذ المره السابقه , السرير ذو الاربع أعمد و الستائر المتدليه منه فى المنتصف , الطاوله و الكرسى و المرأه التى أرى نفسى بها الان , صوت قدمى على أرضيه الغرفه الخشبيه أعلن عن قدومى لها , مددت رأسى ناحيه الشرفه وجدتها جالسه تدخن سيجارتها المفضله و تصب الشاى فى فنجان مقابل لفنجانها , بدون أن تلتفت إلىِ قالت : بتحب الشاى ؟!

   أقتربت من الشرفه حتى جلست بالكرسى الذى يوجد أمامها و ظللت محملق بها فى محاوله لمعرفه من هذه السيده و ماذا تعرف عنى , تركت المعلقه التى كانت تذوب بها الشاى و أراحت ظهرها على كرسيها البسيط و ظلت مبتسمه لعدد من الثوانى ثم دفنت بقايا سيجارتها فى تنوره كرستال ثم قالت :

_  جو المستشفى كئيب مش كده ؟
_ ...........
_ أتلحقت على أخر لحظه , البنت شكلها بتحبك جدا
_ ..........
_ ايه هتفضل ساكت كتير !
_ معنديش حاجه أقولها
_ أزاى بقى ده أنت سر كبير
_ أنتى مين ؟
_ متسألش .. قالتها بحده ثم أردفت ملطفه : أنت المفروض تشكرنى
_ !
_ أتكتب ليك عُمر جديد
_ الاعمار بيد الله
_ أاااه , هو أنت منهم
_ هما مين ؟!
_ مش ده موضوعنا , شوفت أخره رجوعك لست الدار
_ ايه ؟
_ مجهود عنيف , جسمك مقدرش يستحمله
_ ده كلام الدكتوره !
_ الجمال مش كُل حاجه
_ قصدك أيه ؟
_ ست الدار عمرها ما جت و سابتك بعدها سليم
_ ..........
_ أنت لسه ضعيف قدامها , لسه فاكر كُل تفصيله فيها , هى عارفه أنك بتحب جسمها عشان كده جت عريانه
_ أنا مش وسخ
_ و مش ملاك , خمسين فى الميه من نيتك لازم تعيد النظر فيهم
_ .........
_ ست الدار مش عايزاك تفضل عايش
_ قصدك أنى المفروض دلوقتى ميت !
_ أنت ميت فعلا , أنت مشوفتش جثتك ولا ايه ؟
_ أمال مين اللى فى المستشفى و مين اللى قاعد قدامك دلوقتى ؟!
_ أنت موووووووت .. قالتها بصرخه صمت لها أذنى ثم أردفت : و مش صعب أقنعك
_ ...........
_ أشرب الشاى

   مددت يدى بكُل برود و لامبالاه و أمسكت فنجان الشاى الابيض ذو الرسومات المتحركه , أفاعى سوداء تلتف حول بعضها البعض , رفعت الفنجان إلى فمى و مع الرشفه الاولى سقط أحد الافاعى فى فمى , شعرت به يتخذ طريقه داخل حلقى ثم من بعدها أحسست بألم رهيب ناحيه قلبى , من فرط الالم أوقعت الفنجان على الارض و نظرت إليها و إلى ثباتها و مراقبتها لى , أخرجت من علبه سجائرها واحده و مع أشعالها نشب حريق داخل صدرى شممت رائحته داخل أنفى ...

_ أنتى بتعملى فيه ايه ؟
_ ..........
_ أنا بموت
_ هتموت
_ !
_ من زمان و أنا مستنيه اللحظه دى , أنت ضعيف و هتسمع الكلام , مفيش قدامك حل تانى , لقد بدأ الامر للتو

   من قال "لقد بدأ الامر للتو" شخص رخيم الصوت , صوت رجل بالغ ممتلئ بالحقد و الشر لم يكن أبدا صوتها , مازال الالم يعتصرنى بكُل عنف و قسوه , سكاكين تذبحنى من الداخل حتى أننى وقعت من على الكرسى و تمددت على أرضيه الشرفه و بدأت الصوره تذهب رويدا رويدا

_ سرعه ضربات القلب بتزيد بسرعه رهيبه و ضغطه بقى عالى جدا , كلمى مدير المستشفى يلحقنى أنا مش قادره أسيطر عليه , جسمه بيتنفض بعنف , هيروح مننا

   المشهد داخل غرفتى بالمستشفى , جسدى ينتفض و سرعه ضربات قلبى كسرت السرعه القانونيه , الدكتوره المتابعه لحالتى تحاول فعل أى شئ ولكن بدون فائده , سيده الدار تقف عاريه خلفها تبتسم بحنانها المعتاد و خلف سيده الدار شابه ترتدى أسدال طويل و بيدها سكين يلمع نصله , أقتربت منىِ و سددت عده طعنات متفرقه فى أنحاء جسدى و سيده الدار لم تتحرك ساكنه لى تمنعها ...

_ فى نزيف يا دكتور من كُل حته فى جسمه معرفش جه أزاى و منين , بينزف كتير جدا
_ غريبه جسمه مش بيستجيب للمهدئات , هاتى بسرعه جهاز الصدمه الكهربائيه

   هرعت الطبيبه لكى تأتى بالجهاز و حاول مدير المستشفى السيطره على النزيف و ضربات قلبى المتسارعه و لكن بدون فائده جهاز رسم القلب كاد يحرق من سرعه خطوطه الخضراء المتراقصه بعنف و عداد الضربات الذى جاوز الحد المسموح به منذ زمن

_ الجهاز يا دكتور
_ كُله يوسع .. 1 , 2 , 3

   تقوس ظهرى من شده الصدمه الكهربائيه و لكنها لم تاتى بنتيجه , أعاد الرجل المحاوله مره أخرى و مع الصدمه الثانيه رأيتنى بجسدى التى منحتنى أياه السيده الافريقيه واقف عند طرف السرير و سيده الدار و صاحبه الاسدال أمامى بالطرف المقابل للسرير , أنظر إليهم بملامح يملئها الغضب و العبوث , تغيرت ملامحهم عندما رأونى أمامهم , نظرت إلى و أبتسمت ثم قلت لم ينتهى الامر بعد لقد بدأ للتو , أشعر أننى فى أفضل حالتى بهذا الجسد المتناسق , الصدمه الكهربائيه الثالثه أنتهى معها كُل شئ , سكن جسدى بلا حراك و أختفت سيده الدار و صاحبه الاسدال كما أننى أختفيت أيضا من أمامى , عندها أطلق جهاز رسم القلب صافره طويله تعلن وفاتى رسميا , نزع الطبيب الاسلاك من صدرى و قال إلى الطبيبه المساعده :


_ ساعه الوفاه 10 : 4 الفجر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق