الأحد، 22 ديسمبر 2013

( 5 ) الهروب الكبير ! - شتاء 2014 - جزء 5


   سأقف تلك الليله وحدى ، تتساقط عنى الذكريات ، و يبعثر الهواء أشلائى لأذهب و أتمسك بذرات المزيكا المتناثره هنا و هناك , تلك الليله سأكون بلا قمر يهدينى للطريق الذى طالما بحثت عنه , سوف تصبح السماء و الارض لوحه واحده سوداء , لن أرى أى شئ , غلق عينى و فتحها مره أخرى لن يفيد فالمشهد بالداخل لا يفرق كثيرا عن الخارج , النجوم تعتذر عن القدوم هذه الليله و الرياح دافئه تأتى من جميع الاتجاهات , لا يوجد صوت يعلو فوق صوت الرياح و ذرات التراب المتناثره , فقدانى للرؤيه أمامى جعلنى أجلس على الارض , فقد ألم بى دوار و بالكاد أحاول الحفاظ على التوازن , التوازن الذى سوف يختفى بعد أن يضرب رأسى صداع نصفى من الظلام الشديد و عدم القدره على تحديد الاتجاهات , الارض التى أجلس عليها دافئه , خشنه , عليها الكثيره من التراب و الحصى , أشعر أننى فى موقف سيارات كبير به العديد من عواميد الاناره , أشعر أننى وحيد , حقا أنا وحيد فى ذلك المكان , شعور الوحده يختلف كثيرا عن ممارستها , بؤبؤ عينى متسع عن أخره من شده الظلام , أشعر أنه سوف يتمزق , فى ذلك الموقف تأتى الهواجس محمله على سيارات نصف نقل و تبدأ بالانفراد بك و مهاجمتك من جميع الاماكن , كأن شئ سوف يأتى من خلفك ليفترسك , أسد أم ثعبان أم دب القطب الشمالى لا يهم , ما يهم أننى سوف أصبح فريسه فى نهايه الامر , أو أن الارض التى جالس عليها سوف تختفى و أسقط إلى الهاويه حتى أرتطم و تتناثر أشلائى فى كُل مكان , لا مجال لطرد تلك الهواجس من رأسى , أحتاج إلى نور فقط شعاع بسيط أسير نحوه و يحدث ما يحدث , لا أريد الجلوس هنا كثيرا !

   بدأ الدوار مع طرق الصداع لرأسى المسكين , تكورت على الارض كالرضيع فى بطن أمه و الرياح الدافئه و الحصى تلفح وجهى بدون توقف , ظللت على ذلك الوضع لفتره أفكر كيف وصلت إلى ذلك المكان , أحاول أرجاع الشريط مره أخرى , أين كُنت قبل ذلك ؟ , حاولت كثيرا أن أتذكر و لكن بدون جدوى , الصداع أفسد ذراع أسترجاع الاحداث و أفسد ما تبقى فى رأسى من سلوك , أرتميت على ظهرى و فرد يدى الاثنين يمينا و يسارا و فتحت عينى فى محاوله لرؤيه لا شئ و لكنه أفضل من غلقها و تخيل أشياء مرعبه , تمنيت النوم بشده , تمنيته أكثر من الطعام و الماء , أشعر بضغط كبير لا يستطيع أحد أن يتحمله , جسدى مُنهك إلى أبعد الحدود , مع الوقت بدأت أنفى تنذف , طعم الدماء على شفتى يقول أننى أنزف و بغزاره , لم أقوى على رفع يدى لوقف النزيف , ثقل رأسى و ضربات قلبى التى بدأت تقل و نَفسى الذى لم أستطع أخذه جعلنى أنهار فى هدوء , صوت الرياح توقف و لم أعد أشعر بدفئها , عينى أنفجر منها نهر صغير يشق طريقه على وجهى المتيبس و روحى بدأت تتحرك بداخلى حتى لم أعد أسمع صوت دقات قلبى .. مبروك لقد موت الان !

   ما سوف تجده غريبا أن عند موت الانسان يكون مدرك جيدا أنه فارق الحياه , يرى جسده مسجى على الفراش و لكنى لم أنُعم بتلك الرفاهيه فأنا لم أرى جسدى من شده الظلام ...

   تحركت أناملى بصعوبه على الفراش الناعم المستلقى عليه كريشه وقعت من طائر يُحلق فى الفضاء , فتحت عينى ببطئ و من بين خيوط العُماص التى تشابكت حولها , تأملت الضوء المنبعث من النافذه , بدى كأنه سيوف تخترق عينى , مازالت طرقات الصداع تدق رأسى و لكن خفت حدتها عن زى قبل , أغمضت عينى و فتحتها مره أخرى , رفعت يدى فى بطئ أتحسس أنفى , لم أجد للنزيف مكان فقد توقف , الهواء يخترقنى من كُل مكان , نظرت أسفل الغطاء لم أجدنى مرتدى شئ من رقبتى حتى قدمى لم أجد ما يسترنى , أين ملابسى ؟ , ما هذا المكان ؟

   بدأ الهواء يداعب الستائر البيضاء المعلقه فوق نافذه تتوسط حائط خشبى , غرفه حوائطها خشبيه و سقفها مرتفع , أتساع عنبر من عنابر المرضى بمستشفى حكومى , يتوسطها سرير كبير له أربع قوائم مرتفعه إلى أعلى و معلق عليها ستائر بيضاء نافذه للضوء تناسب إلى أسفل , بالخارج يوجد بحر صافيه ألوانه , صوت أمواجه الرقيق يعلن عن وجوده , أمام السرير يوجد باب و على اليسار يوجد باب اخر مفتوح يطل على بلكونه مربعه الشكل تطل على الشاطئ , بجانب السرير طاوله و كرسى و أرضيه خشبيه مفضوحه سوف تعلن عن قدوم أى شخص من مسافه شهر لمجرد طرق قدمه عليها !

   أغمضت عينى مره أخرى و فتحتها بعد أن أستغرق الامر بضعه دقائق فى محاوله للتخلص من الصداع و فى تلك المره التى فتحت بها عينى رأيت سيده تجلس بالشرفه تدخن السجائر , تنظر إلى فى هدوء مبالغ فيه , هى فى العقد الخامس , متوسطه الحجم و الطول , سمراء لون البُن الفاتح , شعرها متعرج و قصير يكاد يلامس طوله أكتافها , ملامحها أفريقيه بعض الشئ و لكنه الجمال الافريقى , ترتدى جلباب أبيض و به العديد من النقوش و الزخارف و الخياطات المتقنه الصنع و الرسم , عيناها عسليه اللون , معلق برقبتها سلسله جاهدت كثيرا لمعرفه ما يوجد بها و لكنى لم أستطيع التحديد , يوجد على يديها نقش يبدو وشم و يبدو حنه و لكنه كان يمتد من كف يديها حتى أصابعها , ظللت أحملق بها كثيرا منتظر أى رد فعل منها و لكنها أستمرت فى تدخين سجائرها , من هذه أيضا ؟ , سؤال جديد أنضم إلى أخوته بلا أجابه !

   بحثت بعينى عن أى شئ لأرتدى لكنى لم أجد , لن أظل جالسا هنا مع أسئلتى الكثيره و علامات الاستفهام التى تدور حول رأسى و أيضا لا أعلم متى سوف تنتهى من سجائرها ولا من برودها المتقن الصنع , قمت من على السرير و لففت حول وسطى الغطاء الابيض الذى كان علىِ و تركت نصفى الاعلى عاريا لن يعثرها فى شئ , خلال أحكام نصفى الاسفل نظرت إلى مرأه موضوعه بجانب السرير , نظرت إلى جسد ليس لى , هذا وجهى و لكن الجسد ليس جسدى , رأيت شخص متناسق القوام و مرسوم الصدر و البطن و الزراع و الكتفين , أغلقت فمى من الدهشه و نظرت إليها حيث نظرت إلىِ و أشارت بيديها لكى أشاركها الجلوس , قبل الذهاب إليها سرقت نظره على جسدى الجديد و الصدمه مسيطره علىِ .. نعم هذا حقيقى و ليس جنونا !

   الجو بالخارج كان ساحرا , الشمس فى كبد السماء و السُحب البيضاء متناثره على مئات الكيلومترات و البحر ممتد بألوانه الزرقاء و الهواء لطيف خفيف يداعب خصلات شعرى , لا يوجد أحدا هنا غير هذا البيت الخشبى المكون من طابق واحد ...

   جلست على كرسى بجانبها ولا أعلم حتى الان هل هذا حقيقى أم مجرد حلم من أحلامى المزعجه , أعتدلت فى جلستها و أطفأت سجارتها و قالت :

_ أنت مش بتحلم
_ .............
_ أنت عارف أنك شخصيه غريبه جدا , ليه بتدعى الهروب و أنت لما بتجيلك فرصه تقابل فيها حاجه قديمه بتمسك فيها بكُل قوتك ؟
_ ............
_ ست الدار كانت وحشاك ؟
_ !
_ ليه روحت معاها ؟
_ ...........
_ مسئلتش نفسك أيه اللى رجعها تانى و فى التوقيت ده بالذات ؟
_ أنتى مين ؟
_ أنت عارف أنك بتموت دلوقتى ؟
_ أنا موت خلاص بس معرفتش أشوف جسمى بسبب الضلمه !
_ أمال مين اللى قاعد قدامى ده ؟
_ معرفش , ده مش جسمى
_ طبعا مش جسمك , هو الجسم أيه غير غطا , روحك لسه عايشه , أنت قاعد بتتكلم معايا
_ أنتى مين ؟
_ أنت بتموت , عارف كده , أنت لسه مغمى عليك فى الحمام و لو محدش لحقك هيكتبوا عنك تانى يوم فى صفحه الحوادث
_ ...........
_ نمت ليه مع ست الدار ؟
_ أنا بعمل أيه هنا ؟ و أنتى مين ؟ و فين هدومى ؟
_ جاوب عشان أعرف أساعدك
_ تساعدينى ! , أيه المكان ده ؟ , أنا فين هنا ؟
_ مش هتبطل العاده دى , ترد السؤال بسؤال
_ أنتى عرفتى منين ؟
_ أنت سبت اسكندريه ليه ؟

   جاء سؤالها الاخير كالقشه التى قسمت ظهر البعير , بالتأكيد هى تعرف عنى كُل شئ , كيف عرفت أن سيده الدار أتت لى ليلا و كيف عرفت أننى تركت الاسكندريه منذ فتره طويله و كيف عرفت أننى أحتضر الان بالحمام داخل شقتى , لن أستطيع الهروب منها أيضا , بعد كُل هذا التفكير نظرت إليها و بداخل عينى قرأت أستسلامى لها ...

   أشاحت بنظرها نحو البحر و لاحظت شبح أبتسامه رسم على وجهها ثم أخرجت سيجاره من علبتها و أشعلتها و مع خروج دخان النفس الاول نظرت إلىِ قائله :

_ كده نعرف نتكلم ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق