الأربعاء، 25 ديسمبر 2013

( 6 ) الهروب الكبير ! - شتاء 2014 - جزء 6


35 : 10 صباحا ...
مستشفى القصر العينى ...
العنايه المركزه ...

   بدأ جهاز رسم القلب يرسم خطوطا غير مستقره بجانب سرير محاط بستائر زرقاء اللون أسمع من خلفها أنين المرضى , حركت أصابعى بصعوبه على الاسلاك التى تمر فوق صدرى و فتحت عينى ببطئ , من بين شكائر الاسمنت التى سدت جفونى تأملت ضوء لمبه نيون معلقه فوقى , طرقات الصداع تدوى فى رأسى كطرقات حداد سئ المزاج , أغمضت عينى و فتحتها مره أخرى لم يتغير شئ , لم أعرف سبب عدم قدرتى على الرؤيه من بعيد جيدا , كأننى أريد مسح عينى و أزاله ما عليها حتى أرى جيدا , فجأه شعرت بألم شديد خلف رأسى و كأن يوجد حجر أسفلها , ببطئ رفعت يدى و تحسست أسفل رأسى حتى شعر بصدمه كهربائيه أنتفض لها جسدى , لن أحاول مره أخرى , وضعت يدى بجانبى و أغمضت عينى لعده دقائق أستوعب حالتى و المكان الذى أرقد به بدون حراك , خلال تفكيرى سمعت صوت الستائر تُسحب إلى نهايه السرير و رائحه عطر أنثوى و طبيبه شابه تصوب كشاف ساطع لحدقه عينى : سامعنى .. تقدر تتكلم ؟

   صوتها بعيد كأنه أتِ من مسافه شهر , حاولت فتح فمى المتحجر و البحث عن لسانى و لعابى الجاف ...

_ حمد لله على السلامه
_ أنا فين ؟
_ القصر العينى
_ بعمل ايه ؟

   أنتهت الطبيبه من قياس ضغطى ثم قالت :

_ لا تمام .. تمام , أنت كده مش محتاج تفضل على جهاز الضغط
_ أنا بعمل ايه هنا ؟
_ دول كام ؟
_ انا عنيه مزغلله و حاسس بصداع جامد
_ كل ده من تأثير الخبطه اللى فى دماغك .. دول كام ؟
_ تلاته .. ايه اللى حصلى ؟
_ أغمى عليك و وقعت على راسك , الخبطه اللى فى راسك هى اللى عمله الصداع و زغلله العين , بس متقلقش الزغلله تأثير وقتى لكن الصداع هيستمر شويه
_ طيب هو أنا أغمى عليه ليه ؟
_ مجهود عنيف , جسمك مقدرش يستحمله , الكلام ده من حوالى عشره أيام , أنت ليك قرايب ؟
_ لا أنا عايش لوحدى
_ طيب فاكر ساكن فين ؟
_ اه فاكر
_ عموما فى أنسه هى و راجل بيتكلم لغه غريبه كده هما اللى جابوك يوم ما أغمى عليك
_ البواب
_ طيب كويس , أنت فاكر أهو كُل حاجه , هسيبك تستريح دلوقتى
_ أنا الصداع هيموتنى , زائد أنى حاسس بوجع ناحيه قلبى

   بدأت تعيد فحص نبضى ثم قالت :

_ الوقعه اللى وقعتها على راسك مش سهله , الصداع هيستمر معاك و ممكن تحس بأعراض الصداع النصفى كمان على فترات , كويس أنك لسه بتشوف , وقعه زى دى بعمى على طول , الزغلله مع الوقت هتروح , الوجع اللى ناحيه قلبك ده من المجهود اللى أتعرضت له عضله القلب و سبب دخولك فى غيبوبه , مش عايزه أقولك بس أى مجهود زياده بأزمه قلبيه على طول .. أنت أتلحقت على أخر وقت أكتر من كده مع النزيف كان زمانك مش قاعد قدامى و بنتكلم

   أجمعت أشيائها و قبل أن تهم بالرحيل قالت :

_ لولا الانسه و البواب اللى جابوك هنا كان ممكن الامر يبقى أسوء .. متنساش تبقى تشكرها , هى جارتك و ساكنه معاك فى نفس الدور

   قالت جملتها الاخيره و رحلت ساحبه معها عطرها و أبتسامتها التى لم تخفى طول حديثنا , حديثنا الذى أخبرتنى فيه أننى أصبحت مريض و مهدد فى أى وقت بأزمه قلبيه , قالت جملتها الاخيره و تركتنى أصارع أسئلتى بين الستائر الزرقاء

   بعد ساعتين من الفحوصات أستسلمت فيهم للأطباء و الممرضين كقطعه قماش باليه جاءت الممرضه و خلعت عنى الثوب المشقوق من الظهر - ثوب المستشفى - و أفرغت القسطره و مسحت جسدى بالماء البارد و تركتنى مع الألم و مع صداع رأسى المزمن , الان أصبحت مفشوخ نفسيا و جسديا , الان أصبحت بقايا أنسان يحاول الحياه بقوه الدفع , لم تعد الحياه متوقفه كما سبق , لقد أصبحت تعود إلى الخلف بدون مرايات توضح الطريق , لا أراديا خارت قواى و غِط فى نوم عميق كمن تدفن رأسه فى الرمال

   _ أنا معاه دلوقتى فى العنايه .. دخلونى بالعافيه .. اه , اه .. هو نايم حاليا .. سألت الدكتوره عليه , حالته مستقره بس أنا مش مطمنه .. خايفه أوى عليه .. ده مبقاش نافع يا بنتى .. أن شاء الله يقوم منها .. أدعى له يقوم بالسلامه , يارب يا حببتى .. يلا باى

   تنبهت لصوت رقيق به بحه مميزه و نغج أنثوى ساحر مع جمله "ده مبقاش نافع" , فتحت عينى برفق حتى رأيتها , تلك المره الاولى التى أراها فيها عن قرب , شعرها البُنى الناعم المرفوع إلى أعلى و مُحكم من الخلف بعصاه من المطبخ الصينى و خصلتها الحمراء المجنونه مع نظاره شمسيه فوق رأسها , بشرتها ملساء تلمع مع نيون اللمبه التى فوقى و نغزه محفوره بخدها الايمن كمثل التى أملكها , اليوم شفتيها و أظافرها بلون الروز و عطرها هو دائما الذى كُنت أستنشقه عند مراقبتها و التصنت على باب شقتها , اليوم ترتدى "سويت شيرت" أبيض عليه كلمه "STOP" محفوره على صدرها الرائع و بنطال جينس به لمعه بيضاء خفيفه يرسم وركيها بحرفيه و حذاء رياضى , ممسكه بيديها مفاتيح شقتها و مفاتيح السياره , لم تأتى بشنطه يد !

_ ... أن شاء الله يقوم منها .. أدعى له يقوم بالسلامه , يارب يا حببتى .. يلا باى

   أنهت مكالمتها و نظرت إلى حيث وجدتنى أنظر إليها بعين ثابته و أبتسامه سعاده تريد أن ترسم على وجهى رغم حالتى , أبتسمت بأستغراب و قالت :

_ أنت صاحى من أمتى ؟
_ من ساعه ده مبقاش نافع

   أبتسمت حتى ظهرت النغزه اليُمنى بخديها الابيض المتورد بعين ثابته تقتحمنى بهدوء و حرص ...

_ أنت مشوفتش نفسك كُنت عامل أزاى ساعتها , ده .. توقفت لثوانى ثم أردفت :

_ هسيبك دلوقتى عشان أنا دخلت ليك بالعافيه و كده طولت جدا , خلى بالك من نفسك و أنا هعدى أطمن عليك كُل فتره , مفتاح الشقه بتاعك معايا , لو حابب أجبلك حاجه منها معايا المره اللى جايه ولا حابب البواب هو اللى يجى ؟
_ بواب ايه , لا لا انا مش ناقص أفضل أفك فى طلاسم طول ما أنا بتكلم معاه
_ ده بجد طيب و هو اللى جى معايا على المستشفى لما حصل اللى حصلك .. يلا أسيبك ترتاح دلوقتى , سلام

   وضعت يديها على يدى و الاخرى على جبينى و نظرت فى عينى لعدد من الثوانى شعرت كأنهم قرن من الزمن , قرن من السعاده , أبتسمت لها و ظللت محافظ على بقائى مستيقظ حتى رحلت و أدركت وقتها أنى لن أندم مره أخرى على من رحلوا !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق