الأحد، 15 نوفمبر 2015

( 13 ) الهروب الكبير ! - شتاء 2005 - جزء 2



بعد مرور سنه ...
غرفه رقم 53 ...
   عاما كاملا داخل المستشفى , شهرين غائب عن الوعى , خمسه أشهر غارقا فى الجبس و الكسور و الخياطات , خمسه أشهر أخرى علاج طبيعى و تأهيل نفسى .
   اليوم هو تذكره خروجى من المستشفى و لكن إلى إين ؟! , لا أعرف عنوان لبيت كُنت أسكن به ولا أعرف صديق أذهب إليه ولا حتى قريب أستنجد به , كل هذه أسئله تدور برأسى , بينما أقوم بتصفيف شعرى نظرت إلى المرأه , حقاً أنا لا أعرف من الذى يوجد أمامى , تغير شكلى تماماً بعد الحادثه , لم أعد أمت بصله لشكلى منذ سنه فاتت !
   الأهم من كل هذا , كيف سأدفع مصاريف المستشفى ؟! , و كيف لم يطالبونى بها طوال هذه المده ؟! و بأسم من سوف تكتب الفواتير و بأسم من سأمضى فى حياتى القادمه .. أنا أنتهيت على كل حال !
   خلال التفكير فى هذه المأساه , بدأ الطرق على باب الغرفه ...
_ أدخل !
   كانت الممرضه و تحمل بيديها ظرف ابيض ...
_ الظرف الابيض ده مبعوت لحضرتك .
_ من مين ؟!
_ معرفش , الاستقبال تحت قالى طلعى الظرف ده لأوضه 53 !
_ طيب , شكرا !
   رحلت الممرضه و أغلقت الباب خلفها , ظرف أبيض لغرفه 53 , من سيرسل لى ظرف بعد مرور سنه كامله منذ حدوث الحادثه , الظرف لا يوجد عليه أى كتابه أو أسم مرسل أو عنوان أو حتى رقم غرفتى !
   بدأت فى فتح الظرف و معه بدأت دقات قلبى فى الاسراع , أفرغت محتوياته على السرير بجانبى حيث وجدت ...
بطاقه رقم قومى بأسم : (يوسف أمين منصور) – الوظيفه : مذيع راديو – الحاله : أعزب !
باسبور للسفر للخارج بنفس الاسم و بنفس المعلومات !
رخصه قياده و رخصه سياره موديل حديث , اسود ميتالك !
عقد ملكيه السياره و عقد ملكيه شقه تقع فى مدينه نصر !
فيزا !
سلسله مفاتيح يوجد بها مفتاحين , احدهم مفتاح السياره !
   ما هذه الاشياء ؟! , صورتى على البطاقه و لكن أسم من هذا ؟! , لم أعد أستطيع الاحتمال أكثر من ذلك . أشعر بصداع سوف يدمرنى , أنا , أنا ...
_ استاذ (يوسف) , استاذ (يوسف) !
   بدأت أفتح عينى رويداً رويداً حتى وجدت دكتور و ممرضه بجانبه و يمسك بيده كشاف صغير يسلط ضوءه  داخل عينى ...
_ استاذ (يوسف) انت كويس ؟!
_ (يوسف) مين ؟! , هو حصل ايه ؟!
_ انت اغمى عليك مره واحده , حمدلله على السلامه , انت كان مكتوب ليك خروج انهارده , هتقعد معانا لحد باليل بس عشان نطمن عليك و كويس ان احنا عرفنا ان اسمك (يوسف) بعد كل المده دى , حمدلله على سلامتك .
_ الله يسلمك , الله يسلمك .
   خرج الدكتور و خلفه الممرضه و تركونى غارقا فى أسئلتى التى لا تنتهى , (يوسف) مين ؟! , نظرت بجانبى , وجدت الظرف الابيض موضوعاً على طاوله الأكل , ليس مره أخرى , قمت و فتحته و وجدت به نفس الأشياء التى وجدتها أول مره , إذا الأمر ليس تخيلات أو هلوسه , الأمر حقيقى !

   أنقضى اليوم سريعاً و اتى المساء يحمل السُحب المتزاحمه فى السماء , حالة من الذهول و الصدمة مازلت مسيطره علىِ , اقتربت من نافذة الغرفة و استنشقت بعض الهواء البارد , اريد ان اغمض عينى و عند فتحها اعود إلى ما كُنت عليه منذ عام مضى , قبل الحادثة , قبل ان افقد كُل شى , قبل ان افقد نفسى و اتحول إلى لا شئ , فعلاً انا لا شئ , حتى ليله امس كُنت مجهول الهوية لا اعرف من انا , اما الان فكل شئ اختلف !

   رويداً رويداً بدأت انتبه إلى صوت دقات عقرب ساعة يدي و معها دخلت (وفاء) من فريق تمريض المستشفى و التى كانت متابعة لحالتى فى الاربع شهور الاخيرة ...

_ انا افتكرتك مشيت .

_ ازيك يا (وفاء) ؟ , عملتى ايه مع عدوتك اللدودة ؟

_ بلا نيله افتكر حاجه عدله , انت كويس ؟

_ انتى شايفه ايه ؟

_ عينى عليك بارده , واقف زى الاسد , بس انا اقصد مش هتحتاج حاجه ؟ , هتعمل ايه بعد ما تخرج ؟ , ده انت يا حبه عينى محدش سأل فيك من ساعه ما جيت هنا .

_ لا من الناحيه دى متقلقيش , انا عارف رايح فين , اول مره اعرف انا رايح فين .

_ طيب ليه مكشر كده ؟ , ايه مش مبسوط انك هتخرج من هنا ؟ , ولا انت اتعودت علينا خلاص ؟

_ و الله يا (وفاء) انتى من الناس اللى مش هعرف انساها بسرعه , كفايا خفه دمك و حوراتك مع الريسه .

_ الريسه ! , دى زمنها بتمر و انا مش ناقصه , انت فاهم دى عدوتى اللدودة , اشوفك على خير يا استاذ (يوسف) .

_ سلام يا (وفاء) .

   خارج المستشفى كُنت داخل تاكسى ذاهباً إلى حياتى الجديدة المبهمه ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق